اللَّخناء فكُل معنا، فقال لهم: هيهات، ذهب ذلك، ثم أمر بهم فجُلدوا بالسياط، وطوّفهم في العسكر، وأمر بفساطيط روح فأحرقت بالنار، فدخل روح على عبد الملك باكيًا، وقال: يا أمير المؤمنين، إن الحَجّاج الذي كان في شُرطتي ضرب غلماني، وأحرق فساطيطي. قال: عليّ به، فلما دخل عليه قال له: ما حملك على ما فعلت؟ قال: أنا ما فعلت. قال: ومن فعل؟ قال: أنت فعلت، إنما يدي يدك، وسوطي سوطك، وما على أمير المؤمنين أن يخلف لروح عوض الفسطاط فسطاطين، وعوض الغلام غلامين، ولا يكسرني فيما قدمني له، فأخلف لروح ما ذهب له، وتقدم الحجاج في منزلته، وكان ذلك أول ما عرف من كفايته.
وكان للحجاج في القتل وسفك الدماء والعقوبات غرائب لم يسمع بمثلها. وقد أخرج الترمذي من طريق هشام بن حسان: أحصينا من قتله الحجاج صبرًا فبلغ مئة ألف وعشرين ألفًا، ويقال: إن سبب ولوعه بالدماء ما أخرجه المسعوديّ من أن أُم الحجاج الفارعة بنت همام بن عروة بن مسعود الثقفيّ، كانت تحت الحارث بن كَلَدة الثقفيّ الطائفيّ، حكيم العرب، فدخل عليها مرة في السَحَر، فوجدها تتخلل، فبعث إليها بطلاقها، فقالت: لِمَ بعثت إليّ بطلاقي؟ هل لشيءٍ رابك مني؟ قال: نعم، دخلت عليك في السحر وأنت تتخللين، فإن كنت بادرت الغداء، فأنتِ شرهة، وإن كنت بتِّ والطعام بين أسنانك فأنت قذرة. فقالت: كل ذلك لم يكن، لكني تخللت من شظايا السواك. فتزوجها بعده يوسف بن أبي عقيل الثَّقفيّ فولدت له الحجاج مشوهًا لا دُبر له، فنقب عن دبره، وأبى أن يقبل ثدي أمه وغيرها، فأعياهم أمره.
ويقال: إن الشيطان تصور لهم في صورة الحارث بن كلدة المقدم ذِكْره، فقال: ما خبركم؟ قالوا: ولد ولدٌ ليوسف من الفارعة، وقد أبى أن يقبل ثدي أمه، فقال: اذبحوا جديًا أسود، وأولغوه دمه، فإذا كان في اليوم الثاني، فافعلوا به كذلك، فإذا كان في اليوم الثالث، فاذبحوا له تيسًا أسود وأولغوه دمه، ثم اذبحوا له أسود سالخًا وأولغوه دمه، واطلوا به وجهه، فإنه يقبل الثدي في اليوم الرابع،