وهو إنما يُتصور في الأجسام دون المعاني لأنه شبه الِإيمان بالجسم، وأضافَ إليه ما هو من لوازمه وهو الوزن.
وقوله:"وزن بُرَّةٍ" بضم الموحدة وتشديد الراء المفتوحة، أي: القمحة، ومقتضاه أن وزن البُرة دون وزن الشعيرة، لأنه قدم الشعيرة، ثم تلاها بالبرة، ثم الذَّرة، وهو كذلك في بعض البلاد، وإن قيل: السياق بالواو، وهو لا ترتيب فيه، فالجواب أن رواية مسلم من هذا الوجه بلفظ "ثم" وهي للترتيب.
وقوله:"وزن ذَرَّة من خير" هي بفتح المعجمة وتشديد الراء المفتوحة، وصحَّفَها شعبة كما في مسلم، فقال: ذرة -بضم المعجمة وتخفيف الراء- وكأنه حمله على ذلك مناسبتها للشعيرة والبرة لكونها من الحبوب، والذَّرة، قيل: هي واحدة الذّر، وهو كما في "القاموس" صغار النمل، ومئة منها زنة حبة من شعير، ولغيره: إن أربع ذرات وزن خَرْدَلة، أو هو الهباء الذي يظهر في شعاع الشمس مثل رؤوس الإبر، أو هو الساقط من التراب بعد وضع كفك فيه ونفضها. ورُوي عن ابن عباس أنه قال: إذا وضعتَ كفَّك في التراب، ثم نفضتها، فالساقط هو الذَّر. وقيل: هي أقل الأشياء الموزونة، وللمصنف في أواخر التوحيد: أدخل الجنة من كان في قلبه خردلة، ثم من كان في قلبه أدنى شيء، وهذا معنى الذرة، فوزن الذَّرة هو التصديق الذي لا يجوز أن يدخله النقص، وما في البُرة والشعيرة من الزيادة على الذَّر فإنما هو من زيادة الأعمال التي يكمُلُ التصديق بها، وليست زيادة في نفس التصديق، قاله المهلب، وقال في "الكواكب": وإنما أضاف هذه الأجزاء التي في الشعيرة والبرة الزائدة على الذرة إلى القلب، لأنه لما كان الإيمان التام إنما هو قول وعمل، والعمل لا يكون إلا بينة وإخلاص في القلب، فلذا جاز أن ينسب العمل إلى القلب، إذ تمامُه بتصديق القلب. وقال ابن بَطّال: التفاوت في التصديق على قدر العلم والجهل، فمن قلَّ علمُه كان تصديقه مثلًا بمقدار ذَرة، والذي فوقه في العلم تصديقه بمقدار بُرة أو شعيرة، إلا أن التصديق