انقضاء زمن الأمر بالتقشف، فإنه يحل له عقبه كل شيء إلا النِّساء في الحج خاصة، والحالق لرأسه عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع هو معمر بن عبد الله بن نضلة، كما أفاده ابن خزيمة في صحيحه.
وقال النووي: إنه الصحيح المشهور، وقيل: الذي حلق رأسه عليه الصلاة والسلام خراش بن أمية بن ربيعة، حكاه النووي في شرح مسلم، وقال زين الدين العراقي: هذا وهم من قائله، وإنما حلق رأسه خراش في الحديبية، وقد بينه ابن عبد البر فقال في ترجمة خراش هو الذي حلق رأس النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الحديبية.
وكيفية حلقه عليه الصلاة والسلام هي ما رواه مسلم عن أنس أنه عليه الصلاة والسلام أتى مني، فأتى الجمرة فرماها، ثم أتى منزله بمنى ونحر، وقال للحلاق:"خذ" وأشار إلى جانبه الأيمن، ثم الأيسر، ثم جعل يعطيه الناس، وروى الترمذي عن أنس أيضًا قال: ثم ناول الحالق شقه الأيمن فحلقه، فأعطاه أبا طلحة، ثم ناوله شقه الأيسر فحلقه، فقال له:"اقسمه بين الناس" وظاهر رواية الترمذي أن الذي قسمه أبو طلحة بأمره ببن الناس هو الشق الأيسر، وهكذا رواية مسلم عن ابن عيينة، وأما رواية حفص بن غياث، وعبد الأعلى ففيهما أن الشق الذي قسمه بين الناس هو الأيمن، وكلا الروايتين عند مسلم، ففي رواية حفص قال للحلاق:"ها" وأشار بيده إلى الجانب الأيمن، هكذا، فقسم شعره بين من يليه، ثم أشار إلى الحلاق إلى الجانب الأيسر فحلقه، فأعطاه أم سليم، ورواية عبد الأعلى قال فيها: وقال بيده، فحلق شقه الأيمن، فقسمه فيمن يليه، ثم قال:"احلق الشق الآخر" فقال: "أين أبو طلحة؟ " فأعطاه إياه، واختلف أهل الحديث في الاختلاف الواقع في هذا الحديث، فذهب بعضهم إلى الجمع بينهما، وذهب بعضهم إلى الترجيح لتعذر الجمع عنده، قال صاحب المفهم: إن قوله: لما حلق شق رأسه الأيمن أعطاه أبا طلحة، لا منافاة فيه لما في الرواية الثانية من أنه قسم شعر الجانب الأيمن بين الناس، وأعطى أم سليم شعر الجانب الأيسر فقال: إنه أعطاه لأبي طلحة ليقسمه بين الناس ففعل، وأعطى الآخر أم سليم ليكون عند أبي طلحة، فصحت نسبة ذلك إلى كل من نسب إليه.
والصحيح أن الذي وزعه على الناس هو الأيمن، وأعطى الأيسر أبا طلحة وأم سليم، ولا تضاد بين الروايتين؛ لأن أم سليم امرأة أبي طلحة، فكان الإعطاء لهما فنسبت العطية تارة له، وتارة لها، وقال زين الدين: كأن المحب الطبري رجّح رواية تفرقة الشق الأيمن بكثرة الرواة، وقد ترجح تفرقة الأيسر بكونه متفقًا عليه، وتفرقة الأيمن من أفراد مسلم، فعند البخاري عن ابن سيرين عن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما حلق، كان أبو طلحة أول من أخذ من شعره، وهذا يدل على أن الذي أخذه أبو طلحة الأيمن، وإن كان يجوز أن يقال: إنه أخذه