الحلقوم وأراد بالوعاء الأول ما حفظه من الأحاديث ونشره، وبالوعاء الذي لم يبثّه الأحاديث التي فيها تبيين أسامي أُمراء السوء وأحوالهم وزمنهم.
وقد كان أبو هريرة يكني عن بعضه ولا يصرح به، خوفًا على نفسه منهم، كقوله: أعوذ بالله من رأس الستين، وإمارة الصبيان، يشير إلى إمارة يزيد بن معاوية؛ لأنها كانت سنة ستين من الهجرة، واستجاب الله دعاء أبي هريرة، فمات قبلها بسنة، وهذا الحديث أخرجه ابن أبي شيبة، وعلي بن مَعْبد مرفوعًا. وفيه قالوا: وما إمارة الصبيان؟ قال: إنْ أطعتموهم هلكتم، أي: في دينكم، وانْ عصيتموهم أهلكوكم، أي في دنياكم: بإزهاق النفس، أو بإذهاب المال، أو بهما. أو المراد بالثاني ما كتمه من أخبار الفتن وأشراط الساعة، وما أخبر به الرسول، صلى الله تعالى عليه وسلم، من فساد الدين على يدي أغَيلمةٍ من سُفهاء قريش. وكان أبو هُريرة يقول، كما في البخاريّ: لو شئت أنْ أقول بني فلان وبني فلان، لفعلتُ. ووجه كتمانه لأشراط الساعة وتغير الأحوال والملاحم في آخر الزمان أنه ينكر عليه ذلك من لم يألفه، ويعترض عليه من لا شعور له به.
قال ابن المنير: جعل الباطنية هذا الحديث ذريعة إلى تصحيح باطلهم، حيث اعتقدوا أن للشريعة ظاهرًا وباطنًا، وذلك الباطل إنما حاصله الانحلال من الدين. قال: وإنما أراد أبو هريرة بقوله "قطع" أي: قطع أهل الجور رأسه إذا سمعوا عيبه لفعلهم، وتضليله لسعيهم، ويؤيد ذلك أن الأحاديث المكتومة لو كانت من الأحكام الشرعية ما وسعه كتمانها، لما ذكره في الحديث الأول من الآية الدالة على ذم من كتم العلم. وقيل: المراد به علم الأسرار المصون عن الأغيار، المختص بالعلماء بالله من أهل العرفان والمشاهدات والإتقان، التي هي نتيجة علم الظاهر، والعمل بما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام، والوقوف عند ما حَدَّه، وهذا لا يظفر به إلا الغواصون في بحر المُجَاهدات، ولا يسعد به إلا المصطَفون بأنوار المشاهَدات، لكن في كون هذا هو المراد نظرٌ من