بالضمير، ك "لدى" وعلى، ورُدَّ بأنها قلبت ياء مع المظهر في قول الشاعر:
فلبَّىْ ولَبَّيْ يدَي مسوَر
وعن الفراء هو منصوب على المصدر، وأصله لبالك فثنى على التأكيد، أي إلبابًا بعد إلبابٍ، وهذه التثنية ليست حقيقة، بل هي للتكثير والمبالغة، ومعناه إجابة لك بعد إجابة، أو إجابة لازمة. قال ابن الأنباريّ: ومثله حنانيك أي تحنّنًا بعد تحنُّنٍ، وقيل: معنى لبيك: اتجاهي وقصدي إليك، مأخوذ من قولهم: داري تَلُبُّ دارك، أي تواجهها. وقيل: معناه محبتي لك، مأخوذ من قولهم: امرأة لبَّة، أي محبة، وقيل: إخلاصي لك، من قولهم: حُبُّ لباب، أي: خالص. وقيل: أنا مقيم على طاعتك، من قولهم "لبَّ الرجل بالمكان" إذا أقام. وقيل: قربى لك، من الإلباب وهو القرب، وقيل: خاضعًا لك.
والأول أظهر وأشهر، لقول المحرم لهذا اللفظ حال إحرامه، وهو مستجيب لدعاء الله إياه في حج بيته، ولهذا من دعا فقال: لبيك، فقد استجاب، وقال ابن عبد البَرّ: قال جماعة من أهل العلم: معنى التلبية إجابة دعوة إبراهيم حين أذن في الناس بالحج.
وقوله "ثلاثًا" أي: النداء والإجابة قيلا ثلاثًا. وصرح بذلك في رواية مسلم، ويؤيده الحديث السابق في باب من أعاد الحديث ثلاثًا ليفهم عنه. وقوله "صدقًا من قلبه" الجار والمجرور يمكن أن يتعلق بقوله صدقًا أو بقوله "يشهد"، فعلى الأول: الشهادةُ لفظية، أي: يشهد بلفظه، ويصدق بقلبه، وعلى الثاني: قلبية، أي: يشهد بقلبه، ويصدق بلسانه، واحترز به عن شهادة المنافقين. والأول أَوْلى وقال الطِّيبيّ: قوله "صدقًا" أُقيم هنا مقام الاستقامة؛ لأن الصدق يعبر به قولًا عن مطابقة القول المخبر عنه، ويعبر به فعلًا عن تحرّي الأخلاق المَرْضية، كقوله تعالى {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ}[الزمر: ٣٣] أي: حقق ما أورده قولًا بما تحراه فعلًا.