حتى يطوف بالبيت، وروى مالك عن أيوب، عن رجل من أهل البصرة قال: خرجت إلى مكة حتى إذا كنت بالطريق كسرت فخذي فأرسلت إلى مكة وبها عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر والناس فلم يرخص لي أحد أن أحل، فأقمت على ذلك الماء تسعة أشهر، ثم حللت بعمرة، وأخرجه ابن جرير من طرق، وسمى الرجل يزيد بن عبد الله بن الشخير، وقال الشافعي: جعل الله على الناس إتمام الحج والعمرة، وجعل التحلل للمحصر رخصة، وكانت الآية في شأن منع العدو فلم نعد بالرخصة موضعها.
والثالث: قول ابني الزبير عبد الله وعروة: إن المرض والعدو سواء، لا يحل بالطواف، ولا نعلم لهما موافقًا من فقهاء الأمصار.
والقول الرابع: حكاه ابن جرير وغيره: وهو أنه لا حصر بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وروى مالك في الموطأ عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه: المحرم لا يحل حتى يطوف أخرجه في باب ما يفعل من أحصر بغير عدو، وأخرج ابن جرير عن عائشة بإسناد صحيح قالت: لا أعلم المحرم يحل بشيء دون البيت، وعن ابن عباس بإسناد ضعيف قال: لا إحصار اليوم، وروي ذلك عن عبد الله بن الزبير، والسبب في اختلافهم في ذلك اختلافهم في تفسير الإِحصار، فالمشهور عن أكثر أهل اللغة، منهم: الأخفش والكسائي، أن الإحصار إنما يكون بالمرض، وأما بالعدو فهو الحصر، وبهذا جزم النحاس وأثبت بعضهم أن أحصر وحصر بمعنى واحد، يقال في جميع ما يمنع الإنسان من التصرف، قال تعالى {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ} وإنما كانوا لا يستطيعون من منع العدو إياهم، وأما مالك والشافعي فحجتهم في أن لا إحصار بالعدو اتفاق أهل النقل على أن الآيات نزلت في قصة الحديبية حين صد النبي -صلى الله عليه وسلم- عن البيت فسمى الله تعالى صدر البيت إحصارًا، وحجة الآخرين التمسك بعموم قوله تعالى:{فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} وما مرَّ من الأحاديث، وقوله تعالى {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} روي عن ابن عباس أنه قال: من الأزواج الثمانية، وروي عنه أنه قال: شاة، وبهذا قال عطاء، ومجاهد، وهو مذهب الأئمة الأربعة، وروى عبد الرزاق عنه أنه قال: بقدر يسارته، وقال العوفي عنه: إن موسرًا فمن الإبل، وإلا فمن البقر، وإلاَّ فمن الغنم، وروى ابن أبي حاتم عن عائشة، وابن عمر أنهما كانا لا يريان ما استيسر من الهدي إلاَّ من الإبل والبقر، والظاهر أن مستند هؤلاء فيما ذهبوا إليه قصة الحديبية، فإنه لم ينقل عن أحد منهم أنه ذبح في تحلله ذاك شاة، وإنما ذبحوا الإبل والبقر ففي الصحيحين عن جابر قال: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بقرة.
وقوله تعالى:{وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} عطف على قوله {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} وليس معطوفا على قوله {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} كما زعمه ابن جرير؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه عام