الراشدين بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- أفردوا بالحج وواظبوا عليه، وما وقع من الاختلاف عن علي وغيره، فإنما فعلوه لبيان الجواز، وإنما أدخل النبي-صلى الله عليه وسلم- العمرة على الحج لبيان جواز الاعتمار في أشهر الحج، ثم إن الأفضل بعد الإِفراد التمتع ثم القران، هذا عند الشافعية.
وعند المالكية: الذي يلي الإِفراد في الفضل القران لأن القارن في عمله كالمفرد، والمشابه للأفضل يعقبه في الفضل، وعند الشافعية: القران أفضل من الإِفراد للذي لا يعتمر في سنته، قال النووي: لا شك في ذلك، ولم ينقل أحد أن الحج وحده أفضل من القرآن، وتعقبه في الفتح بأن الخلاف ثابت في ذلك قديمًا وحديثًا، أما قديمًا فالثابت عن عمر أنه قال: إنه أتم لحجكم وعمرتكم أن تنشئووا لكل منهما سفرًا، وعن ابن مسعود نحوه أخرجه ابن أبي شيبة وغيره.
وأما حديثًا، فقد صرح القاضي حسين والمتولي بترجيح الإِفراد، ولو لم يعتمر في تلك السنة، وقد قال عياض: إن إحرامه عليه الصلاة والسلام تظافرت الروايات الصحيحة بأنه كان مفردًا، وأما رواية من روى أنه كان متمتعًا معناه أمره به لأنه صرح بقوله: ولولا أن معي الهدي لأحللت، فصحَّ أنه لم يتحلل، وأما رواية من روى القِران فهو إخبار عن آخر أحواله لأنه أدخل العمرة على الحج لما جاء إلى الوادي، وقيل له: قل عمرة في حجة، وهذا الجمع هو المعتمد، وقد سبق إليه ابن المنذر وابن حزم، وملخصه أن كل من روى عنه الإِفراد حمل على ما أهل به في أول الحال، وكل من روى عنه التمتع أراد ما أمر به أصحابه، وكل من روى عنه القرآن أراد ما استقر عليه أمره.
وذهب جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى أن التمتع أفضل، وهو قول أحمد في المشهور عنه، واحتجوا بأنه عليه الصلاة والسلام تمناه، فقال: لولا أني سقت الهدي لأحللت، ولا يتمنى إلا الأفضل، وأجيب بأنه إنما تمناه تطييبًا لقلوب أصحابه لحزنهم على فوات موافقته، وإلا فالأفضل ما اختاره الله له، واستمر عليه، وقال القاضي حسين: إن ظاهر هذا الحديث غير مراد بالإجماع لأن ظاهره أن سوق الهدي يمنع انعقاد العمرة، وقد انعقد الإجماع على خلافه، وقال ابن قدامة: يترجح التمتع بأن الذي يفرد إن اعتمر بعدها فهي عمرة مختلف في إجزائها عن حجة الإِسلام بخلاف عمرة التمتع فهي مجزئة بلا خلاف، فيترجح التمتع على الإِفراد، ويليه القرآن.
وقال أبو حنيفة والثوري وإسحاق بن راهويه أن القِران أفضل من التمتع والإفراد، ثم التمتع، ثم الإفراد. واختاره من الشافعية المزني وابن المنذر وأبو إسحاق المروزي، ومن