وقوله:"والنَّقِير" هو بفتح النون وكسر القاف، أصل النخلة ينقر فيتخذ منه وعاء، كان أهل اليمامة ينقرون أصل النخلة، ثم ينبذون الرطب والبسر، ثم يدعونه حتى يهدر، ثم يموت.
وقوله:"والمُزَفَّت" بالزاي والفاء ما طُلي بالزفت.
وقوله:"وربما قال: والمُقَيَّر" وهو بالقاف والياء الأخير ما طلبي بالقار، ويقال له: القير، وهو نبت يحرق إذا يبس تطلى به السفن وغيرها كما تطلى بالزفت.
وقوله:"وأخبروا بهنَّ من وراءكم" مرَّ في قوله السابق: "من وراءنا" المراد به فراجعه.
ومعنى النهي عن الانتباذ في هذه الأوعية بخصوصها لأنه يسرع إليه فيها الإسكار، فربما شرب منها من لم يشعر بذلك، ثم ثبتت الرخصة في الانتباذ في كل وعاء، مع النهي عن شرب كل مسكر. ففي "صحيح" مسلم عن بُريدة: "كنت نهيتُكم عن الانتباذ إلا في الأسقية، فانتبذوا في كل وعاء، ولا تشربوا مسكرًا".
وحاصل المسألة أن بعض العلماء أخذ بالرخصة العامة، فقال بالإباحة مطلقًا لحديث بُريدة هذا، وحديث الأشَجّ العَصَريّ السابق:"إن الظروف لا تُحِلُّ ولا تحرم، ولكن كل مسكر حرام".
قال الخطابي: ذهب الجمهور إلى أن النهي إنما كان أولًا، ثم نسخ، وعلى هذا سائر الكوفيين، وعن أحمد روايتان.
وقال ابن بطّال: النهي عن الأوعية إنما كان قطعًا للذريعة، فلما قالوا: لا نجد بدًّا من الانتباذ في الأوعية، قال: انتبذوا وكل مسكر حرام، وهكذا الحكم في كل شيء نهى عنه بمعنى النظر إلى غيره، فإنه يسقط للضرورة، كالنهي عن الجلوس في الطرقات، فلما قالوا: لابد لنا منها، قال:"فأعطوا الطريق حقَّها".