على ما زاد على الفاتحة جمعًا بينه وبين دليل إيجاب الفاتحة ويؤيده الرواية التي تقدمت لأحمد وابن حبّان حيث قال فيها اقرأ بأم القرآن، ثم اقرأ بما شئت وتعقب هذا بأنه ليس في ظاهر الحديث ما يدل على الفاتحة حتى يكون قوله ما تيسر وإلا على ما زاد على الفاتحة ومع هذا إِذا كان مأمورًا بما زاد على الفاتحة يجب أن تكون تلك الزيادة أيضًا فرضًا مثل الفاتحة ولم يقل بهذا من أوجب قراءة الفاتحة.
قال في الفتح: والجواب القوي عن هذا أنه ورد في حديث المسيء صلاته تفسير ما تيسّر بالفاتحة كما أخرجه أبو داود عن رفاعة بن رافع رفعه، وإذا قمت فتوجهت فكبر، ثم اقرأ بأم القرآن وبما شاء الله أن تقرأ، وإذا ركعت فضع راحتيك على ركبتيك .. الحديث. وفي بعض طرقه كما مرّ ثم اقرأ إن كان معك قرآن فإن لم يكن فاحمد الله وكبّر وهلّل فإذا جمع بين ألفاظ الحديث كان تعين الفاتحة هو الأصل لمن معه قرآن فإن عجز عن تعلّمها وكان معه شيء من القرآن قرأ ما تيسر وإلاّ انتقل للذكر ويحتمل في طريق الجمع أيضاً أن يقال المراد بقوله: فاقرأ ما تيسر معك من القرآن أي: بعد الفاتحة ويؤيده رواية أبي سعيد عند أبي داود وبسند قوي أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر.
وقال الخطابي في قوله: وافعل ذلك في صلاتك كللها دليل على أن عليه أن يقرأ في كل ركعة كما كان عليه أن يركع ويسجد في كل ركعة، وقد مرَّ الكلام على هذا في حديث عبادة بن الصامت، واستدل به على وجوب الطمأنينة في الأركان، واعتذر بعض من لم يقل به بأنه زيادة على النص لأن المأمور به في القرآن مطلق السجود فيصدق بغير طمأنينة، فالطمأنينة زيادة والزيادة على المتواتر بالآحاد لا تعتبر، وعورض بأنها ليست زيادة لكن لبيان المراد بالسجود وأنه خالف السجود اللغوي لأنه مجرد وضع الجبهة فبيّنت السنة أن السجود الشرعي ما كان بالطمأنينة ويؤيده أن الآية نزلت تأكيدًا لوجوب السجود لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن معه كانوا يصلّون قبل ذلك. ولم يكن النبي عليه الصلاة والسلام يصلّي بغير طمأنينة، وفي الحديث أيضًا من الفوائد وجوب الإعادة على من أخلّ بشيء من واجبات الصلاة، وفيه أن الشروع في النافلة ملزم لكن يحتمل أن تكون الصلاة فريضة فيقف الاستدلال، وقد مرّ أنها نافلة، ومرّ الكلام على هذه المسألة في كتاب الإيمان عند حديث الأعرابي السائل قال: لا إلا أن تطوع وفيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحسن التعليم بغير تعنيف وإيضاح المسألة وتخليص المقاصد وطلب المتعلم من العالم أن يعلمه وفيه تكرار السلام ورده وإن لم يخرج من الموضع إذا وقعت صورة انفصال، وفيه أن القيام في الصلاة ليس مقصودًا لذاته، وإنما يقصد للقراءة فيه، وفيه جلوس الإِمام في المسجد وجلوس أصحابه معه، وفيه التسليم للعالم والانقياد له والاعتراف بالتقصير والتصريح بحكم البشرية في جواز الخطأ، وفيه أن فرائض الوضوء مقصورة على ما ورد به القرآن لا ما زادته السنة فيندب، وفيه حسن خلقه -صلى الله عليه وسلم- ولطف معاشرته، وفيه تأخير البيان في المجلس للمصلحة، وقد استشكل تقرير النبي -صلى الله عليه وسلم- له على صلاته