الطحاويّ لقول أبي حنيفة ومن وافقه، بما أخرجه عن رائِطة امرأةِ ابن مسعود، أنها كانت امرأة صنعاء اليدين، فكانت تنفق عليه وعلى ولده. قال: فهذا يدل على أنها صدقة تطوع.
وتمسك الطحاويّ أيضًا بقولها في حديث أبي سعيد الآتي:"وكان عندي حلي لي فأردت أن أتصدق به" لا العلي ولو قيل بوجوب الزكاة فيه إلا أنها لا تجب في جميعه، كذا قال. وهو متعقب لأنها، وإن لم تجب في عينه، فقد تجب فيه. بمعنى أنه قدر النصاب الذي وجب عليها إخراجه. واحتج المانعون أيضًا بأن قوله في حديث أبي سعيد الآتي:"زوجك وولدك أحق من تصدقتِ به عليهم" دال على أنها صدقة تطوع، لأن الولد لا يعطى من الزكاة بالإجماع، كما نقله ابن المنذر وغيره، وفي هذا الاحتجاج نظر، لأن الذي يمتنع إعطاؤه من الصدقة الواجبة من تلزم المعطي نفقتُه، والأم لا تلزمها نفقة ولدها مع وجود أبيه، لكن عند الحنفية تلزم الأم نفقة ولدها إذا كان أبوه فقيرًا عاجزًا عن التكسب جدًا.
وقالوا: إن الأب إذا كان فقيرًا كسوبًا، وله ابن زَمِنٌ، وله أم موسرة، هل تؤمر بالإنفاق على الابن؟ اختلف الأشياخ فيه، وقال ابن التيميّ: قوله: "وولدك" محمول على الإضافة للتربية لا للولادة، فكأنه ولده من غيرها. وقال ابن المنير: اعتل من منع إعطاءها زكاتها لزوجها، بأنها تعود عليها في النفقة، فكأنها ما خرجت عنها، وجوابه أن احتمال رجوع الصدقة إليها واقع في التطوع أيضًا، ومحل الخلاف عند المالكية في جواز إعطائها لزوجها، ومنع عطائه هو لها زكاته، ما لم يكن إعطاء أحدهما الآخر ليدفعه في دَينه أو ينفعه على غيره، وإلا جاز قطعًا، ويؤيد المذهب الأول الذي هو الجواز أن ترك الاستفصال ينزل منزلة العموم، فلما ذكرت الصدقة، ولم يستفصلها عن تطوع ولا واجب، فكأنه قال: تجزىء عنك فرضًا أو تطوعًا. وأما ولدها فليس في الحديث تصريح بأنها تعطي ولدها من زكاتها، بل معناه أنها إذا أعطت زوجها، فأنفقه على ولدها، كانوا أحق من الأجانب، فالإِجزاء يقع بالإِعطاء للزوج، والوصول إلى الولد بعد بلوغ الزكاة محلها، والذي يظهر أنهما قضيتان: إحداهما في سؤالها عن تصدقها بحليها على زوجها وولده، والثانية في سؤالها عن النفقة.
وفي الحديث الحث في الصدقة على الأقارب، وهو محمول في الواجبة على مَنْ لا تلزمه نفقته منهم، واختلف في علة المنع، فقيل: لأن أخذهم لها يصورهم أغنياء، فتسقط بذلك نفقتهم عن المعطي أو لأنهم أغنياء بإنفاقه عليهم، والصدقة، أي الزكاة، لا تصرف لغنيّ، وعن الحسن وطاووس لا يعطى قرابته من الزكاة، وهو قول أشهب، وروى ابن المنذر عن مالك أنه كره أن يخص قرابته بزكاته، وإن لم تلزمه نفقتهم. وعند الشافعيّ يجوز أن يأخذها الولد بشوط أن يكون غارمًا أو غازيًا، فيكون أخذه لها من سهم الفقراء، لأنه حينئذ كالأجنبي، وقال ابن التين: يجوز دفع الصدقة الواجبة إلى الولد بشوطين: أحدهما أن يتولى غيره من صرفها إليه. الثاني أن لا يكون في عياله، فإن كان في عياله، وقصد إعطاءه، فروى مطرق عن مالك: لا ينبغي أن يفعل ذلك، فإنْ فعله ففد