يذرعونها" الوارد في حديث الباب، يعين ذلك. وقوله: "فكانت أسرعنا" كذا وقع في الصحيح بغير تعيين، وفي التاريخ الصغير للمصنف عن موسى بن إسماعيل، بهذا الإسناد، فكانت سودةُ أسرعنا .. إلخ. وكذا في رواية عفان عند أحمد وابن سعد، عنه، وقد ساقه يحيى بن حمّاد عن أبي عُوانة مختصرًا ولفظه: "فأخذنَ قصبة يتذارعنها، فماتت سَوْدة بنت زمعة، وكانت كثيرة الصدقة، فعلمنا أنه قال أطولكن يدًا بالصدقة" هذا لفظ عند ابن حِبّان. ولفظه عند النَّسَائيّ: "فأخذنَ قصبة، فجعلنَ يذرعنها، فكانت سَودة أسرعهن به لحوقًا، وكانَت أطولهن يدًا، وكان ذلك من كثرة الصدقة".
وهذا السياق لا يحتمل التأويل، إلا أنه محمول على ما يأتي ذكره من دخول الوهم على الراوي في التسمية خاصة، فقد قال ابن سعد: قال لنا الواقديّ هذا الحديث، وهو في سَودة وإنما هو في زينب بنت جَحش، فهي أول نسائه به لُحوقًا، وتوفيت في خلافة عمر، وبقيت سودة إلى أن توفيت في خلافة معاوية، في شوال سنة أربع وخمسين. وقال ابن بطال: هذا الحديث سقط منه ذكر زينب، لاتفاق أهل السير على أن زينب أول مَنْ مات من أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-، يعني أن الصواب: فكانت زينب أسرعنا إلخ، ولكان يعكر على هذا التأويل تلك الروايات المتقدمة، المصرحة بأن الضمير لسَوَدة.
وفي خط الحافظ أبي علي الصدقي ظاهر هذا اللفظ، أن سودة كانت أسرع، وهو خلاف المعروف عند أهل العلم من أن زينب أوّل مَنْ مات من الأزواج. ثم نقله عن مالك من روايته عن الواقدي قال: ويقويه رواية عائشة بنت طلحة، وهي آتية. وقال ابن الجَوزيّ: هذا الحديث غلط من بعض الرواة، والعجب من البخاري كيف لم ينبه عليه، ولا أصحاب التعاليق، ولا عَلِم بفساد ذلك الخطّابيُّ، فإنّه فسره وقال: لُحوق سَودة به من أعلام النبوءة، وكل ذلك وهم، وإنما هي زينب، فإنها كانت أطولهن يدًا بالعطاء، كما رواه مسلم عن عائشة بنت طلحة عن عائشة بلفظ: "فكانت أطولنا يدًا زينب؛ لأنها كانت تعمل وتتصدق".
وقد جمع بعضهم بين الروايتين، فقال الطيبي: يمكن أن يقال في رواه البخاريّ: المراد الحاضرات من أزواجه دون زينب، وكانت في نسب أوّلهنَّ موتًا، لكن يعكر على هذا أن في رواية يحيى بن حماد عند ابن حِبّان أنَّ نِساء النبي -صلى الله عليه وسلم- اجتمعن عنده، لم تغادر منهن واحدة، ثم هو مع ذلك إنما يتأتى على أحد القولين في وفاة سَودة، فقد روى البخاري في تاريخه بإسناد صحيح عن هلال بن سعيد أنه قال: ماتت سَودة في خلافة عمر، وجزم الذهبيّ في "التاريخ الكبير" بأنها ماتت في آخر خلافة عمر.
وقال ابن سيد الناس: إنه المشهور، وهذا يخالف ما أطلقه الشيخ محي الدين، حيث قال: أجمع أهل السير على أن زينت أوّل مَنْ مات من أزواجه، وسبقه إلى نقل الاتفاق ابن بطّال، كما مرَّ، ويمكن الجمع بأن النقل مقيد بأهل السير، فلا يرد نقل قول من خالفهم من أهل النقل ممن