من خِلاط السوء. ورواه ابن أبي شَيْبة عن عُمر، وقد تجب العزلة لفقيه لا يسلم دينه بالصحبة، وتجب الصحبة لمن عرف الحق فاتبعه والباطل فاجتنبه، وتجب على من جهل ذلك ليعلمه. وقال النووي: المختار تفضيل المخالطة لمن لا يغلِبُ على ظنه أنه يقع في معصية، فإن أشكل الأمر فالعزلة أولى. وقال غيره: يختلف باختلاف الأشخاص، فمنهم من يتحتم عليه أحد الأمرين، ومنهم من يترجح, وليس الكلام فيه، بل إذا تساويا فيختلف باختلاف الأحوال، فإن تعارضا اختلف باختلاف الأوقات، فممن تتحتم عليه المخالطة من كانت له قدرة على إزالة المنكر، فيجب عليه إما عينًا وإما كفاية بحسب الحال والإِمكان، وممن يترجح من يغلِبُ على ظنه أنه يسلم في نفسه إذا قام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وممن يستوي من يأمن على نفسه ولكنه يتحقق أنه لا يُطاع، وهذا حيث لا يكون هناك فتنة عامة، فإن وقعت الفتنة ترجحت العُزلة لما ينشأ فيها غالبًا من الوقوع في المحذور، وقد تقع العقوبة بأصحاب الفتنة فتعم من ليس من أهلها كما قال تعالى:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}[الأنفال: ٢٥].
وفي حديث أبي سعيد هذا عند البخاري في الرقاق:"يأتي على الناس زمانٌ خير مال المسلم الخ" قال في "الفتح": ولفظه هنا صريح في أن المراد بخيرية العُزلة أن تقع في آخر الزمان، وأما زمنه عليه الصلاة والسلام فكان الجهاد فيه مطلوبًا حتى كان يجب على الأعيان إذا خرج النبي صلى الله تعالى عليه وسلم غازيًا أن يخرج معه إلا من كان معذورًا، وأما من بعده فيَخْتَلِف ذلك باختلاف الأحوال. وقال الخَطّابي: إن العزلة والاختلاط يختلفان باختلاف متعلقاتهما، فتحمل الأدلة الواردة في الحض على الاجتماع على ما يتعلق بطاعة الأئمة وأمور الدين، وعكسها في عكسه، وأما الاجتماع والافتراق بالأبدان فَمَن عرف الاكتفاء بنفسه في حق معاشه ومحافظة دينه فالأولى له الانكفاف عن مخالطة الناس بشرط أن يحافظ على الجماعة والسلام والرد وحقوق المسلمين من العيادة وشهود