وقوله:"يفرُّ بدينه" جملة حالية، وذو الحال إما الضمير المستتر في يتبع، أو المسلم لوجود شرط جواز الحال من المضاف إليه وهو شدة الملابسة، فكأنه جزء منه، ويجوز أن تكون استئنافية، والباء في بدينه سببية، أو بمعنى مع، أي يفر بسبب دينه، أو معه.
وقوله:"من الفتن" أي طلبًا لسلامة لا لقصد دنيوي، ومن ابتدائية.
قال النّووي في الاستدلال بهذا الحديث: للترجمة نظر، لأنه لا يلزم من لفظ الحديث عد الفرار دينًا وإنما هو صيانة للدين. قال: فلعله لما رآه صيانة للدين أطلق عليه اسم الدين، وقال غيره: إن أريد بمن كونها جنسية أو تبعيضية فالنظر متجه، وإن أريد كونها ابتدائية أي: الفرار من الفتنة منشؤه الدين فلا يتجه النظر.
وفي معنى هذا الحديث ما أخرجه البخاري في الرقاق عن أبي سعيد أيضًا، قال: جاء أعرابي فقال: يا رسول الله، أي الناس خير؟ قال:"رجلٌ جاهد بنفسه وماله، ورجل في شِعْب من الشِّعاب، يعبدُ ربه ويدعُ الناس من شره".
والحديثان دالّان على فضل العُزلة لمن خاف على دينه، وقد اختلف السلف في أصل العُزلة، فالعزلة عند الفتنة ممدوحةٌ إلا لقادر على إزالتها، فتجب الخلطة عينًا أو كفاية بحسب الحال والإِمكان، واختلف فيها عند عدم الفتنة، فقال الجمهور بتفضيل الصحبة لتعلمه، وتعليمه، وعبادته، وأدبه، وتحسين خُلُقه بحلم واحتمال وتواضع ومعرفة أحكام لازمة، وتكثير سواد المسلمين، وعيادة مريضهم، وتشييع جنازتهم، وحضور الجُمَع والجماعات، واختار آخرون العزلة لتحقق السلامة، وليعمل بما علم، ويأنس بدوام ذكره، فبالصحبة والعزلة كمال المرء.
وقال الجُنَيْد نفعنا الله ببركته: مكابدة العزلة أيسر من مداراة الخلطة. وقال الخطّابي: لو لم يكن في العزلة إلا السلامة من الغِيبة ورؤية المنكر الذي لا يقدِرُ على إزالته لكان في ذلك خير كثير. وقال البُخاري: العزلة راحة