قال ابن عبد البَرّ في "التمهيد" ليس هو ابن أخيه، إنما هو ابن عمه، وهو كما قال، فلعله كان أسن منه. وقوله: في نمرة، أي بفتح النون وكسر الميم، بردة من صوف أو غيره مخططة. وقال الفراء: هي دراعة فيها لونان: سواد وبياض، ويقال للسحابة إذا كانت كذلك نمرة. وذكر الواقديّ في المغازي، وابن سعد، أنهما كَفنا في نمرتين، فإن ثبت حمل على أن النمرة الواحدة شقت بينهما نصفين. والذي كفن معه في النمرة هو الذي دفن معه في قبر.
رجاله رجال ما قبله إلا الأوزاعي، قد مرَّ في العشرين من العلم، ومرَّ عبد الله بن حرام في السابع من الجنائز، وعمه المراد به عمرو بن الجموح بن زيد بن حَرام بن كعب بن غنم بن سَلَمة الأنصاري السلمي من سادات الأنصار. واستشهد يوم أُحُد، قال بان إسحاق في المغازي: كان عمرو بن الجموح سيدًا من سادات بني سَلَمة، وشريفًا من أشرافهم. وكان قد اتخذ في داره صنمًا من خشب يعظِّمه، فلما أسلم فتيان بني سلمة، منهم ابنه مُعاذ بن جبل، كانوا يدخلون على صنم عمرو، فيطرحونه في حفرة من حفر بني سلمة، فيغدو عمرو فيجده منكبًا لوجهه في العِذرة، فيأخذه ويغسله ويطيبه، ويقول: لو أعلم من صنع هذا بك لأخزيته، ففعلوا ذلك مرارًا، ثم جاء بسيفه فعلقه عليه، وقال: إن كان بك خير فامتنع، فلما أسمى أخذوا كلبًا ميتًا فربطوه في عنقه، وأخذوا السيف، فأصبح فوجده كذلك، فأبصر رُشْدَه، وقال في ذلك أبياتًا منها:
تاللهِ لو كنتَ إلها لم تكنْ ... أنتَ وكلبٌ وَسْطَ بيرٍ في قَرَنْ
قال ابن الكلبي: كان عمرو بن الجَموح آخر الأنصار إسلامًا، وفي الإصابة عن جابر بطرق كثيرة جدًا قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من سيدكم يا بني سَلَمة؟ فقالوا: الجَدَّ بن قيس، على أننا نُبَخِّله. فقال بيده هكذا، ومد يده، وقال: وأي داء أدوء من البخل؟ بل سيدكم عمرو بن الجموح".
وكان عمرو بن الجموح يُولم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا تزوج، وفي رواية "بل سيدكم الأبيض الجَعدْ عمرو بن الجموح". وفي ذلك يقول بعض الأنصار:
وقال رسول الله، والحقُّ قوله ... لمن قال منا: من تسمون سيدًا
فقالوا له جَد بن قيس على التي ... بنخله فيها وأنْ كان أسودًا
فتى ما تخطَّى حظوة لدنية ... ولا مد في يوم إلى سوءَة يدًا
فسوّد عمرو بن الجموح لجُودهِ ... وحقٌ لعمرو بالندا أن يسودا
إذا جاءه السؤال أنْهَبَ مالَه ... وقال: خذوه إنه عائد غدًا
فلو كنت يا جد بن قيس على التي ... على مثلها عمرو، لكنت المسَوَّدا
وذكر ابن إسحاق ومعمر هذه القصة في بشر بن البراء بن معرور، وكان عمرو بن الجموح