القاضي عياض فقال: تصحح الروايتان معًا بأن تكون المطموسة والممسوحة هي العوراء الطافئة بالهمز أي: التي ذهب ضوؤها، وهي العين اليمنى كما في حديث ابن عمر، وتكون الجاحظة التي كأنها كوكب وكأنها نخاعة في حائط هي الطافية، بلا همز وهي العين اليسرى، كما جاء في الرواية الأخرى، وعلى هذا فهو أعور العين اليمنى واليسرى معًا فكل واحدة منهما عوراء أي: معيبة فإن الأعور من كل شيء المعيب، وكلا عيني الدجال معيبة فإحداهما معيبة بذهاب ضوئها حتى ذهب إدراكها، والأخرى بنتوئها قال النووي: هو في غاية الحسن وقال القرطبي: في الفهم حاصل كلام القاضي أن كل واحدة من عيني الدجال عوراء، إحداهما بما أصابها حتى ذهب إدراكها والأخرى بأصل خلقها معيبة لكن يبعد هذا التأويل، أن كل واحدة من عينيه قد جاء وصفها في الرواية بمثل ما وصفت به الأخرى من العور وأجاب صاحبه القرطبي في "التذكرة" بأن الذي تأوله القاضي صحيح، فإن المطموسة وهي التي ليست ناتئة ولا جحراء هي التي فقدت الإدراك، والأخرى وصفت بأن عليها ظفرة، وهي جلدة تغشى العين وإذا لم تقطع عميت العين، فالعور فيهما لأن الظفرة مع غلظها تمنع الإدراك أيضًا، فيكون الدجال أعمى أو قريبًا من ذلك، إلا أنه جاء ذكر الظفرة في العين اليمنى في حديث سفينة جاء في العين الشمال في حديث سمرة.
وهذا هو الذي أشار إليه شيخه بأن كل واحدة منهما جاء وصفها بمثل ما وصفت الأخرى، ثم قال: في "التذكرة" يحتمل أن تكون كل واحدة منهما عليها ظفرة، فإن في حديث حذيفة أنه ممسوح العين عليها ظفرة غليظة، قال: وإذا كانت الممسوحة عليها ظفرة فالتي ليست كذلك، أولى قال: وقد فسرت الظفرة بأنها لحمة كالعلقة، وفي حديث أبي سعيد عند أحمد وعينه اليمنى عوراء جاحظة لا تخفى كأنها نخاعة في حائط مجصص، وعينه اليسرى كأنها كوكب دري فوصف عينيه معًا وعند أبي يعلى من هذا الوجه أعور ذو حدقة جاحظة لا تخفى كأنها كوكب دري ولعلها أبين؛ لأن المراد بوصفها بالكوكب شدة إتقادها وهذا بخلاف وصفها بالطمس، وفي حديث أبي بن كعب عند أحمد والطبراني:"إحدى عينيه كأنها زجاجة خضراء"، وهو يوافق وصفها بالكوكب، وفي حديث سفينة، عند أحمد والطبراني أعور عينه اليسرى بعينه اليمنى ظفرة غليظة، والذي يتحصل من مجموع الأخبار أن الصواب في طافية بغير همز فإنها قيدت في الرواية الماضية بأنها اليمنى، وصرح في حديث عبد الله بن مغفل، وسمرة وأبي بكرة بأن عينه اليسرى ممسوحة، والطافية هي البارزة، وهي غير الممسوحة، والعجب ممن يجوز رواية الهمز في طافية وعدمه مع تضاد المعنى في حديث واحد، فلو كان ذلك في حديثين لسهل الأمر، وأما الظفرة فجائز أن تكون في كلا عينيه لأنه لا يضاد الطمس، ولا النتوء، وتكون التي ذهب ضوؤها هي المطموسة، والمعيبة مع بقاء ضوئها هي البارزة، وتشبيهها بالنخاعة في الحائط المجصص في غاية البلاغة، وأما تشبيهها