وقوله: فلما أراد أن يصلي عليه جذبه عمر رضي الله عنه، وفي رواية براءة "فقام ليصلي عليه، فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وفي رواية ابن عباس هناك "فلما قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وعند التِّرْمِذِيّ من هذا الوجه "فقام إليه، فلما وقف عليه يريد الصلاة عليه، وثبتُ عليه، وقلت: يا رسول الله، أتصلي على ابن أُبَيّ؟ وقد قال يوم كذا: كذا وكذا، اعدد عليه قوله" يشير بذلك إلى قوله {لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} وقوله {لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} ونحو ذلك.
وقوله: أليس الله نهاك أن تصلي على المنافقين؟ كذا في الرواية, إطلاق النهي عن الصلاة، وقد استشكل جدًا حتى قال بعضهم: هذا وهم من بعض رواته، وأجاب بعضهم بأن عمر لعله اطّلع على نهيٍ خاص في ذلك، وقال القرطبيُّ: لعل ذلك وقع في خاطر عمر، فيكون من قبيل الإِلهام أو يكون فهم ذلك من قوله {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} وما قاله القرطبي أقرب, لأنه لم يتقدم النهي عن الصلاة على المنافقين، بدليل أنه قال في آخر الحديث: فأنزل الله {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ} والذي يظهر أن في رواية الباب تجوزًا بينته رواية عبد الله بن عمر في التفسير بلفظ "فقال: تصلي عليه وقد نهاك الله أن تستغفر لهم؟ ".
وروى عبد بن حميد والطبريّ عن ابن عمر عن عمر قال: أراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أن يصلي على عبد الله بن أُبَيّ، فأخذتُ بثوبه، فقلت: والله ما أمرك الله بهذا، لقد قال {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} وعند ابن مَرْدَوَيه عن ابن عباس، فقال عمر: أتصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي عليه؟ قال: أين؟ قال: قال {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} الآية. فكأن عمر فهم من الآية المذكورة ما هو الأكثر الأغلب من لسان العرب من أن "أو" ليست للتخيير، بل للتسوية في عدم الوصف المذكور، رأي أن الاستغفار لهم وعدم الاستغفار سواء. وهو كقوله تعالى {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} لكن الثانية أصرح. ولهذا ورد أنها نزلت بعد هذه القصة، وفهم عمر من قوله {سَبْعِينَ مَرَّةً} أنها للمبالغة، وأن العدد المعين لا مفهوم له، بل المراد نفي المغفرة لهم، ولو كثر الاستغفار، فيحصل من ذلك النهي عن الاستغفار، فأطلقه، وفهم أيضًا أن المقصود الأعظم من الصلاة على الميت طلب المغفرة له، والشفاعة له، فلذلك استلزم عنده النهي عن الاستغفار تركُ الصلاة، فلذلك جاء عنه في هذه الرواية إطلاق النهي عن الصلاة.
ولهذه الأمور استنكر إرادة الصلاة على عبد الله بن أُبَيّ هذا تقرير ما صدر من عمر مع ما عرف من شدة صلابته في الدين، وكثرة بغضه للكفار والمنافقين، وهو القائل في حق حاطب بن أبي بَلْتَعة، مع ما كان له من الفضل، كشهوده بدرًا وغير ذلك، لكونه كاتَبَ قريشًا قبل الفتح: دعني يا رسول الله أضربُ عنقَه، فقد نافق. ولذلك أقدم على كلامه للنبي -صلى الله عليه وسلم- بما قال، ولم يلتفت إلى احتمال إجراء الكلام على ظاهره، لما غلب عليه من الصلابة المذكورة.