قال الزين بن المنير: إنما قال ذلك عمر حرصًا على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومشورةً لا إلزامًا، وله عوائد بذلك، ولا يبعد أن يكون النبي كان أذن له في مثل ذلك، فلا يستلزم ما وقع من عمر أنه اجتهد مع وجود النص، كما تمسك به قوم في جواز ذلك، وإنما أشار بالذي ظهر له فقط، ولهذا احتمل منه النبي -صلى الله عليه وسلم- أخذه بثوبه، ومخاطبته له في مثل ذلك المقام، حتى التفت إليه مبتسمًا، كما يأتي عن ابن عباس، وإنما جزم عمر بكونه منافقًا جريًا على ما كان يطَّلع عليه من أحواله.
وقوله: فقال أنا بين خِيْرَتين، قال الله تعالى:{اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} وفي رواية ابن عمر في التفسير إنما خيرني الله، فقال:{اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً} وسأزيد على السبعين. قال: إنه منافق.
وفي حديث ابن عباس عن عمر من الزيادة "فتبسم النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: أخِّر عنّي يا عمر، فلما أكثر عليه قال: "إني خُيّرت فاخترت"، أي خيرت بين الاستغفار وعدمه، كما بينه حديث ابن عمر، وفي رواية عن ابن عمر "إنما خيرني الله أو أخبرني الله بالشك" والأول من التخيير بالياء، والثاني من الإِخبار بموحدة. وأخرجه الإِسماعيليّ من هذا الوجه بلفظ "إنما أخرني الله بغير شك". وفي حديث ابن عباس عن عمر "لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له، لزدت عليها".
وحديث ابن عمر جازم بالزيادة، وأكد منه ما روى عبد بن حُميد عن قتادة قال: لم نزلت {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "قد خيّرني ربي، فوالله لأزيدنّ على السبعين" ودل ذلك على أنه عليه الصلاة والسلام أطال في حال الصلاة عليه من الاستغفار له، وقد ورد ما يدل على ذلك، فذكر الواقدي أن مجمع بن جارية، قال "ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أطال على جنازة قطُّ ما أطال على جنازة عبد الله بن أُبَيّ من الوقوف. وروى الطبريّ عن الشعبيّ قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: قال الله {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} فأنا استغفر لهم سبعين وسبعين وسبعين".
وقد تمسك بهذه القصة من جعل مفهوم العدد حجة، وكذا مفهوم الصفة من باب الأولى، ووجه الدلالة أنه -صلى الله عليه وسلم- فهم أن ما زاد على السبعين بخلاف السبعين، فقال: سأزيد على السبعين، وأجاب من أنكر القول بالمفهوم بما وقع في بقية القصة، وليس ذلك بدافعٍ للحجة, لأنه لو لم يقم الدليل على أن المقصود بالسبعين المبالغة، لكان الاستدلال بالمفهوم باقيًا، وإنما لم يأخذ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بقول عمر، وصلى عليه إجراءًا له على ظاهر حكم الإِسلام، كما مرَّ تقريره، واستصحابًا لظاهر الحكم، ولما فيه من إكرام ولده الذي تحققت صلاحيته، ومصلحة الاستئلاف لقومه ودفع المفسدة.
وكان النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، في أول الأمر يصبر على أذى المشركين، ويعفو ويصفح، ثم أمر بقتال