فقال: حَسّ أو أَوْهِ، لو أطاعَ فيكنَّ ما رأتكنَّ عين، فنزلت آية الحجاب. ولا مانع من تعدد الأسباب، وهو الظاهر من الأحاديث المذكورة. وقوله: واجتمع نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- في الغَيْرة عليه، وهي بفتح الغين المعجمة وسكون التحتانية. قال عياض: هي مشتقة من تغير القلب وهيجان الغضب بسبب المشاركة فيما به الاختصاص، وأشد ما يكون ذلك بين الزوجين. وقيل المغيرة في الأصل الحميَّة والأنفة، وهو تصير بلازم التغير، فيرجع إلى الغضب.
وقوله: أزواجًا خيرًا منكن، ليس فيه دليل على أن في النساء من هو خير منهن؛ لأن المعَلق بما لم يقع لا يجب وقوعه، فالآية واردة في الإخبار عن القدرة لا عن الكون في الوقت, لأن الله تعالى قال {إِنْ طَلَّقَكُنَّ}[التحريم: ٥]، وقد علم أنه لا يطلقهن، واختلف في سبب اجتماعهن في المغيرة، فقيل: قصة شرابه عند حفصة أو زينب بنت جحش، كما أخرجه البخاريّ في كل واحدة منهما، وقيل: السبب مواقعته لماريّة كما أخرجه ابن إسحاق.
وأخرج ابن مردويه ما يجمع القولين. ففيه أن حفصة أهديت لها عُكّة فيها عَسَل، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل عليها حبسته حتى تُلْعِقه أو تسقيه منها، فقالت عائشة لجارية عندها حبشية، يقال لها خضراء: إذا دخل على حفصة فانظري ما يصنع، فأخبرتها الجارية بشأن العسل، فأرسلت إلى صواحبها فقالت: إذا دخل عليكن فقلن: انا نجد منك ريح مغافير. فقال: هو عسل، فوالله لا أطعمه أبدًا، فلما كان يوم حفصة، استأذنته أن تأتي أباها، فأذن لها فذهبت، فأرسل إلى جاريته مارية فأدخلها بيت حفصة، قالت حفصة: فرجعت فوجدت الباب مغلقًا، فخرج ووجهه يقطر وحفصة تبكي، فعاتبته، فقال: أشهدك أنها عليّ حرام. انظري، لا تخبري بهذا امرأة، وهي عندك أمانة، فلما خرج قرعت حفصة الجدار الذي بينها وبين عائشة، فقالت: ألا أبشرك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد حرم أَمته، فنزلت.
وعند ابن سعد عن ابن عباس "خرجت حفصة من بيتها يوم عائشة، فدخل رسول الله بجاريته القبطية بيت حفصة، فجاءت فرقبته حتى خرجت الجارية،