حِجَابٍ} [الأحزاب: ٥٣] وهذا هو الأَوْلى، وذكر هنا أن سبب نزول آية الحجاب كلام عمر، وأخرج في الأحزاب عن أنس أن سبب نزولها الذين جلسوا يتحدثون يوم وليمة زينب بعد خروج الناس، وتكرر خروج النبي -صلى الله عليه وسلم- ودخوله، ولم يخرجوا إلا بعد بطء، وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: دخل رجل على النبي -صلى الله عليه وسلم- فأطال الجلوس، فخرج عليه الصلاة والسلام ثلاث مرات ليخرج، فلم يفعل، فدخل عمر فرأى الكراهية في وجهه، فقال للرجل: لعلك آذيت النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: لقد قمت ثلاثًا لكي يتبعني فلم يفعل. فقال له عمر: يا رسول الله، لو اتخذت حجابًا، فإن نساءك لسن كسائر النساء، وذلك أطهر لقلوبهن، فنزلت آية الحجاب.
وهذا الحديث يجمع بين السببين المذكورين، فيكون هذا الرجل الذي أطال الجلوس في وليمة زينب ودخل عليه عمر، وقال ما قال. ولم يذكر أنس في حديثه دخول عمر على الرجل المطيل للجلوس، وإذا لم يحصل هذا الجمع فحديث أنس المباشر أرجح من الذي رواه عن عمر. قال عياض: فرض الحجاب مما اختصصن به، فهو فرض عليهنّ بلا خلاف في الوجه والكفين، فلا يجوز لهن كشف ذلك لا في شهادة ولا في غيرها, ولا إظهار شخوصهن، وإن كن مستترات، إلا ما دعت إليه ضرورة من براز.
واستدل بما في الموطأ أن حفصة، لما توفي عمر، سترها النساء عن أن يُرى شخصها، وأن زينب بنت جحش جعلت لها القُبة فوق نَعشها. قال في الفتح: وليس فيما ذكره دليلٌ على ما ادعاه من فرض ذلك عليهن، وقد كنّ بعد النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يحججن ويطفن، وكان الصحابة، ومن بعدهم، يسمعون منهن الحديث وهن مستترات الأبدان لا الأشخاص. وقد أخرج في الحج قول ابن جُريج لعطاء، لما ذكر له طواف عائشة "أَقَبْل الحجاب أو بعده؟ " قال: قد أدركت ذلك بعد الحجاب.
وقد ورد لنزول الحجاب سبب أخرجه النَّسائيّ عن عائشة بلفظ "كنت آكل مع النبي -صلى الله عليه وسلم- حَيْسًا في قَعْب، فمر عمر فدعاه، فأكل، فأصاب أصبعه أصبعي