للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنه بها، فيستفاد منه أن الزكاة تتعلق بالذمة، كما هو أحد قولي الشافعي، وجمع بعضهم بين رواية عليّ ورواية عليه، بأن الأصل "عليّ" ورواية "عليه" مثلها إن فيها زيادة هاء السكت. حكاه ابن الجَوزيّ. وقيل: عني قوله على أي: هي عندي قرضٌ، لأنني استلفت منه صدقة عامين.

وقد ورد ذلك صريحًا فيما أخرجه التِّرمذيّ وغيره، من حديث عليّ وفي إسناده مقال. وفي الدارقطني عن موسى بن طلحة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنا كنا احتجنا، فتعجلنا من العباس صدقة مالِه سنتين"، وهذا مرسل، ورواه الداقطنيّ أيضًا موصولًا بذكر طلحة فيه، وإسناد المرسل أصح، وفي الدارقطنيّ أيضًا عن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم-، بعث عمر ساعيًا فأتى العباس فأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إن العباس قد أسْلَفَنا زكاة ماله العامَ والعام المقبل، وفي إسناده ضعف، وأخرجه هو أيضًا والطبرانيّ عن أبي رافع نحو هذا، وإسناده ضعيف أيضًا. وعن ابن مسعود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تعجل من العباس صدقته سنتين، وفي إسناده محمد بن ذكوان، وهو ضعيف، ولو ثبت لكانَ رافعًا للإشكال، ولرجح به سياق رواية مسلم على بقية الروايات.

وفيه: رد لقول من قال إن قصة التعجيل إنما وردت في وقت غير الوقت الذي بعث فيه عمر لأخذ الصدقة، وليس ثبوت هذه القصة في تعجيل صدقة العباس ببعيد في النظر بمجموع هذه الطرق. وقيل: المعنى استلف منه قدر صدقة عامين، فأمر أن يقاصَّ به من ذلك، واستبعد ذلك بأنه لو كان وقع، لكان -صلى الله عليه وسلم- أعلم عمر بأنه لا يطالب العباس، وليس ببعيد.

ومعنى "عليه" على التأويل الأول: أي لازمة له، وليس معناها أنه يقبضها لأن الصدقة عليه حرام، لكونه من بني هاشم. ومنهم من حمل رواية الباب على ظاهرها فقال: كان ذلك قبل تحريم الصدقة على بني هاشم، ويؤيده رواية موسى بن عُقبة، فهي له بدل عليه، وقال البيهقي: اللام بمعنى على، لتتفق الروايات، وهذا أولى لأن المخرج واحد، وإليه مال ابن حِبّان. وقيل: معناها فهي له، أي القدر الذي كان يراد منه أن يخرجه، لأنني التزمت عنه بإخراجه. وقيل: إنه أخرها عنه ذلك العام إلى عام قابل، فيكون عليه صدقة عامين. قاله أبو عبيد.

وقيل: إنه كان استدان حتى نادى عقيلًا وغيره، فصار من جملة الغارمين، فساغ له أخذ الزكاة بهذا الاعتبار، أبعد الأقوال كلها قولُ من قال: كان هذا في الوقت الذي كان فيه التأديب بالمال، فألزم العباس بامتناعه من أداء الزكاة، بأن يؤدي ضعف ما وجب عليه، لعظم قدره وجلالته، كما في قوله تعالى في نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} الآية.

وفي الحديث تعجيل الزكاة، وقد اختلف أهل العلم، فقال الشافعيّ وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق: إن عجلها قبل محلها أجزأت عنه، وعند مالك إن أخرجها قبل الحول بشهر أجزأت عنه مع الكراهة، وكره الليث بن سعد تعجيلها. وقال الحسن: من زكى قبل الوقت أعاد كالصلاة، واستدل بقصة خالد على جواز إخراج مال الزكاة في شراء السلاح، وغيره من آلات الحرب،

<<  <  ج: ص:  >  >>