الأولى يكون أكثر، فناسب التخفيف في الثانية حذرًا من الملل. وروى عبد الرزاق عن يحيى في آخر هذا الحديث فظننّا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس بذلك الركعة الأولى.
ولأبي داود وابن خزيمة نحوه. وروى عبد الرزاق أيضًا عن عطاء قال: إني لأحب أن يطول الإِمام الركعة الأولى من كل صلاة حتى يكثر الناس، فإذا صلّيت لنفسي فإني أحرص على أن أجعل الأوليين سواء. واستدل بحديث الباب على استحباب تطويل الأولى على الثانية وجمع بينه وبين حديث سعد الماضي حيث قال: أودّ في الأوليين أن المراد تطويلهما على الأخريين لا التسوية بينهما في الطول. واستدل محمد بن الحسن به على تطويل الأولى على الثانية في جميع الصلوات وهو المذهب عند الشافعية. كما في المهذب وقال في الروضة: الأصح التسوية بينهما وبين الأخريين قال: والمختار تطويل أولى الفجر على الثانية وغيرها وهو قول الثوري وأحمد، وعند أبي حنيفة وأبي يوسف لا يطيل الركعة الأولى على الثانية إلا في الفجر خاصة. واتفقوا على كراهة إطالة الثانية على الأولى، وكون مالك مخالفًا في هذا غير صحيح.
وذهب بعض الأئمة إلى استحباب تطويل الأولى من الصبح دائمًا، وأما غيرها فإن كان يترجى كثرة المأمومين ويبادر هو أول الوقت فينظر وإلا فلا، وذكر في حكمة اختصاص الصبح بذلك عند من قال به أنها تكون عقب النوم والراحة، وفي ذلك الوقت يواطىء السمع واللسان القلب لفراغه، وعدم تمكن الاشتغال بأمور المعاش وغيرها منه. وقال البيهقي في الجمع بين أحاديث المسألة يطول في الأولى إن كان ينتظر أحدًا وإلا فليسو بين الأوليين. وقال: من استحب استواءهما إنما طالت الأولى بدعاء الافتتاح والتعوذ وأما في القراءة فهما سواء ويدل عليه حديث أبي سعيد عند مسلم كان يقرأ في الظهر في الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية. وفي رواية لابن ماجه أن الذين حزروا ذلك كانوا ثلاثين من الصحابة. وادّعى ابن حبّان أن الأولى إنما طالت على الثانية بالزيادة في الترسل فيها مع استواء المقدور فيهما.
وقد روى مسلم عن حفصة أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يرتل السورة حتى تكون أطول من أطول منها. وعند المالكية يندب تقصير قراءة الثانية عن الأولى مطلقًا، وتكره المبالغة في تقصيرها عنها فالأقلية بنقص الربع أو أقل منه. والمذهب عندهم أن تطويل الزمن محصل للندب بان يقرأ في الثانية أطول من السورة الأولى ولكنه يرتل في الأولى حتى تكون أطول زمنًا من الثانية. واختلف في المساواة هل تكره أو خلاف الأولى، واستدل به بعض الشافعية على جواز تطويل الإِمام في الركوع لأجل الداخل، وقد استوفينا الكلام على هذا الفرع في باب من أخف الصلاة عند بكاء الصبي ولم يقع في حديث أبي قتادة هذا ذكره القراءة في الأخريين فتمسك به بعض الحنفية على اسقاطها فيهما لكنه ثبت في حديثه من وجه آخر ما سيأتي بعد عشرة أبواب.
وقوله: ويسمع الآية الآتية وشمعنا الآية، وللنسائي عن البراء كنّا نصلّي خلف النبي -صلى الله عليه وسلم-