وكان لا بد من وسائل تقود إلى غرس هذا المبدأ، وكان لا بد من تدريبات عملية تطبع المسلمين على الإحساس بهذه المساواة، فكانت صلاة الجماعة، إمامها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومناديها بلال بن رباح العبد الحبشي، يقف المسلمون فيها صفوفا كصفوف الملائكة. المناكب ملاصقة للمناكب والأقدام مساوية للأقدام، الغني بجوار الفقير، والقوي بجوار الضعيف، الكل يتحرك حركة واحدة، ويسكن سكونا واحدا، فإذا ما قضيت الصلاة التقى المسلمون بعضهم ببعض، فدرسوا مصالحهم، وسأل بعضهم عن أحوال بعض، وعرفوا غائبهم، لقاءات في المسجد، خمس مرات كل يوم وليلة.
ودخل في الإسلام منافقون، ثقلت عليهم صلاة الفجر وصلاة العشاء وثقلت عليهم الجماعات، فكانوا يتخلفون، وكرر الرسول صلى الله عليه وسلم على مسامعهم الترغيب في الجماعة، فصموا آذانهم، فكان المناسب لهم الوعيد والتهديد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد فكرت، وهممت أن أنفذ فكرتي أن يؤذن المؤذن للصلاة ويقيم، ثم آمر رجلا يصلي بالناس بدلا مني، ثم آخذ بعض الفتية، وبعض حزم الحطب، فنحرق بيوت المتخلفين عن الجماعة وهم فيها، وخاف المنافقون، وضعاف الإيمان من التهديد، فحافظوا، حتى المريض الذي لا يستطيع المشي كان يأتيها بين رجلين يستند إليهما، وحتى الأعمى الذي يشكو تعثره في الظلماء، وفي السيل، لم يؤذن له بالتخلف عن الجماعة، وأصبحت الجماعة في المسجد لا يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، مغاضب لله ورسوله والمسلمين.
{فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا}
-[المباحث العربية]-
(لقد هممت) اللام في جواب القسم، ومعنى "هممت" قصدت، والهم العزم، وقيل: دون العزم.
(أن آمر بحطب فيحطب) أي فيجمع.
(أن آمر بالصلاة)"أل" في "الصلاة" للجنس فهي عامة، وقل: للعهد والمعهود العشاء أو الفجر أو الجمعة، روايات.