إذا كانت صلاة الجماعة تفضل صلاة الفرد منفردا بخمس وعشرين درجة كان على المسلمين أن يحرصوا عليها، وأن يتحملوا في سبيل تحصيلها ما يقابلهم من صعاب، الوضوء بالماء البارد في شدة البرد، والمشي طويلا لبعيد الدار عن المسجد، وانتظار الصلاة حتى تقام، ولكل من ذلك أجر، فمن توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يشغله، ولا يحركه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا كان له بها حسنة، وحط عنه بها سيئة، فإذا ما دخل المسجد، وجلس ينتظر الصلاة، كان في ثواب صلاة، حتى يدخل في الصلاة.
لقد خفي على بعض المسلمين ما في كثرة الخطا إلى المسجد من الأجر وكانوا يسكنون في أقصى المدينة، على بعد ميل من المسجد، فدفعهم حرصهم على الجماعة، أن يبيعوا بيوتهم، ويشتروا بدلها بيوتا بجوار المسجد، وعلم الرسول صلى الله عليه وسلم فقال لهم: لا. يا بني سلمة. الزموا بيوتكم لا تبيعوها وتحملوا مشاق الوصول إلى المسجد، فإن الله يكتب لكم آثاركم يكتب بكل خطوة حسنة، فأعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم ممشى فأبعدهم ممشى قالوا: سمعنا وأطعنا يا رسول الله. وظل الصحابة يحرصون على انتظار صلاة الجماعة في المسجد ابتغاء الأجر الوفير وبخاصة في صلاة العشاء التي كانت تؤخر أحيانا، لعلمهم أن الذي يطول انتظاره لصلاة الإمام خير من الذي يصلي منفردا، ثم يذهب إلى بيته فينام.
-[المباحث العربية]-
(أعظم الناس أجرا) منصوب على التمييز.
(أبعدهم، فأبعدهم ممشى) أي أكثرهم بعدا عن المسجد، ثم من هو دونه فالفاء للترتيب التنازلي في أعظم الأجر، و"ممشى" اسم مكان منصوب على التمييز.