النعمة، فقالوا: مطرنا بنجم كذا، والفضل في المطر لكوكب كذا.
وجاء الإسلام المحطم للوثنية، المطهر للنفوس من العقائد الفاسدة، الموجه لعبادة الله وحده، فلفت نظرهم مرارا إلى أنه جل شأنه هو الذي يسير الرياح فتثير سحابا، فيبسطه في السماء كيف يشاء، فيجعله قطعا متراكمة، تثير بسرعة جريها واحتكاكها الرعد والبرق {وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد}{ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون}
وكان من الحكمة أن تبلغ التشريعات الإلهية للأمة في مناسبات، لتربط الأحكام بالوقائع، فتستقر في النفس وتتمكن منها، ولا يسهل نسيانها.
لهذا ساق رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحديث في ليلة من ليالي القحط، وفي صحراء الحديبية حين اشتد العطش بالمسلمين وبدوابهم، وحين ساق الله تعالى إليهم سحابة مليئة، أمطرت عليهم غيثا مغيثا، فشربوا وسقوا وأصبحوا فرحين مستبشرين، وصلوا الصبح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سلم من الصلاة أقبل عليهم يذكرهم بنعمة الله، ويوجههم إلى شكرها، ويستأصل من نفوس ضعفائهم رواسب الجاهلية الأولى، فقال لهم: هل تدرون ماذا قال ربكم اليوم؟ قال تعالى في الحديث القدسي: أصبح فريق من عبادي مؤمنا بي، يسند نعمي إلي، كافرا بالكواكب، لا يسند إليها ما ليس منها يقول: مطرنا بفضل الله ورحمته، فله الحمد وله الشكر، وأصبح فريق من عبادي كافر بي، يجحد نعمائي، ويسند نعمي إلى غيري، ويجعل جزائي على رزقي إياه تكذيبا لي، ويعتقد أن النجوم صاحبة الفضل في رزقه، فيقول: مطرنا بفضل نجم كذا، ومطرنا بتأثير كوكب كذا، فيجحدني ويشكرها وينساني ويذكرها، فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب.
-[المباحث العربية]-
(صلى لنا رسول الله) اللام بمعنى الباء، أي صلى بنا.