كانت عمرة الحديبية في ذي القعدة سنة ست بلا خلاف. وإنما عدت عمرة مع أنهم صدوا عن البيت باعتبار حصول ثوابها، حيث شرعوا فيها ولم يكن التقصير من جانبهم، ووقعت العمرة الثانية بمقتضى شروط صلح الحديبية في ذي القعدة من العام السابع الهجري فقوله "حيث صالحهم" معناه، حيث كانت على وفق الصلح الذي حصل في العام قبله، وتسمى عمرة القضاء، إما لأنها وقعت قضاء عن العمرة التي صدوا عنها بناءا على وجوب القضاء على المحصر، كما هو مذهب الحنفية، وإما لأنها بمعنى القضية، لما وقع بين المسلمين والمشركين من المقاضاة في الكتاب الذي كتب بينهم بالحديبية الأولى، فالمراد بالقضاء الفصل، وتعليل التسمية بذلك مبني على عدم وجوب القضاء على المحصر، كما هو مذهب الشافعية والمالكية، ويؤيده تسميتها بعمرة القضية، وهذا هو الوجه، إذ لو كانت بدلا عن عمرة الحديبية كما يقول الحنفية لكانتا عمرة واحدة، ووقعت العمرة الثالثة في ذي القعدة سنة ثمان من الهجرة عام فتح مكة، ودخل صلى الله عليه وسلم بهذه العمرة إلى مكة ليلا، وخرج منها ليلا إلى الجعرانة، فبات بها، ومن هنا خفيت هذه العمرة على كثير من الناس، أما العمرة الرابعة فقد سقطت من الراوي، ولهذا استظهرها البخاري بالرواية الأخرى التي ألحقها بها، وهي المذكورة في قوله "وعمرة مع حجته" أي حجة الوداع -وقد استشكل في الرواية إذ قال "ومن القابل عمرة الحديبية" مع أن عمرة الحديبية كما ذكر من قبل هي التي صد عنها، وقد جعله ابن التين وهما من الراوي، ووجهه الحافظ ابن حجر، بأنه لا وهم في ذلك، لأن كلا منهما كان في الحديبية، فإذا أطلقت عمرة الحديبية انصرفت إلى الأولى، وإذا قيدت بالعام القابل كانت الثانية.
وقد جمع بين قول أنس "وعمرة مع حجته" وبين ما ثبت عن عائشة من أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان مفردا جمع بينهما بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أحرم بالحج مفردا، ثم أدخل عليه العمرة بالعقيق، فما ثبت عن عائشة وصف لحالة الرسول الأولى وقول أنس ذكر لحالته الأخيرة، وقد تضاربت أقوال