كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم بعض الليل، ويقوم ليالي خاصة، وكان أكثر ما يقوم في رمضان، وأكثر ما يقوم من رمضان العشر الأوسط، لأنها وقت غفلة عامة الناس، وفيها تفتر الهمم، فلما أبينت له ليلة القدر اهتم بالعشر الأواخر، وقام بإحيائها كلها، واعتزل نساءه فيها، وتخلص لعبادة ربه، وأيقظ من يستطيع القيام من أهله، ليشاركوه إحياءها التماسا لليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.
-[المباحث العربية]-
(كان إذا دخل العشر)"ال" في "العشر" للعهد، أي العشر الأواخر من رمضان كما جاء في رواية أخرى.
(شد مئزره) المئزر والإزار كالملحفة واللحاف، وهو ما يأتزر به الرجل من أسفله، و"شد مئزره" كناية عن جده واجتهاده في العبادة فوق ما كان يجتهد عادة، وقد جاء في رواية أخرى "جد وشد المئزر" ولما كان العطف يقتضي المغايرة قالوا، شد المئزر كناية عن اعتزاله النساء، وبذلك فسره السلف والأئمة المتقدمون، واستشهد له بقول الشاعر:
قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم عن النساء ولو باتت بإظهار
ويؤيد هذا المعنى رواية الطبراني:"كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر من رمضان طوى فراشه واعتزل النساء" ويحتمل أن يراد بشد المئزر الاعتزال والتشمير معا.
(وأحيا ليله) إيقاع الإحياء على الليل مجاز عقلي، والمراد إحياء نفسه بالطاعة في الليل، لأن النوم أخو الموت، والقائم إذا حيى باليقظة فقد أحيا ليله بحياته، ويصح أن يكون استعارة، بأن شبه القيام بالإحياء الذي هو إدخال الروح في الجسد، بجامع حصول الانتفاع التام، واشتق منه أحيا بمعنى قام فيه بالعبادة.