أولا: قصد عمر بن الخطاب رضي الله عنه بهذا العرض تذكير الرسول صلى الله عليه وسلم وإعلام الأعرابي بجلالة قدر أبي بكر رضي الله عنه.
ثانيا: وجمهور الفقهاء على استحباب تقديم من هو يمين الشارب في الشرب وإن كان مفضولا بالنسبة إلى من هو على يسار الشارب، لفضل جهة اليمين على جهة اليسار. قال القاضي عياض: وهذا لا خلاف فيه. وقال النووي: إنها واضحة، وخالف في ذلك ابن حزم فقال لا بد من مناولة الأيمن كائنا من كان، فلا يجوز مناولة الأيسر إلا بإذن الأيمن، ويؤيده ظاهر ما ورد في البخاري "أتى النبي صلى الله عليه وسلم بقدح فشرب منه وعن يمينه غلام أصغر القوم، والأشياخ عن يساره فقال: يا غلام أتأذن لي أن أعطيه الأشياخ؟ قال: ما كنت لأوثر بفضل منك أحدا يا رسول الله. فأعطاه إياه" وما ورد عن ابن عباس قال: "دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ميمونة فجاءتنا بإناء فيه لبن، فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه وخالد عن يساره فقال لي: الشربة لك، وإن شئت آثرت خالدا، فقلت: ما كنت لأوثر بسؤرك أحدا" والجمهور يحمل هذه الأحاديث على الندب، لا على الوجوب، وإنما استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عباس أن يعطي خالد بن الوليد ولم يستأذن الأعرابي في أن يعطي أبا بكر ائتلافا لقلب الأعرابي وتطييبا لنفسه، وشفقة عليه أن يسبق إلى قلبه شيء يهلك به، لقرب عهده بالجاهلية ولم يجعل ذلك لابن عباس لقرابته صلى الله عليه وسلم ولصغر سنه، ولأن الأشياخ أقاربه فاستأذنه تأدبا ولئلا يوحشهم بتقديمه عليهم، وتعليما بأنه لا ينبغي أن يدفع لغير الأيمن إلا بإذنه.
ثالثا: والجمهور على أن غير المشروب من الفاكهة واللحم وغيرها حكمه حكم الماء. ونقل عن مالك تخصيص ذلك بالشراب، ولعل ملحظه أن الشرب يكون خيره في أوله غالبا، ولأن النفس تعاف السؤر عادة، فرفعا لهذا الحرج احتجنا إلى مرجح شرعي، وهو تقديم الأيمن لفضل اليمين أما غير الشراب فالمتأخر يتساوى في الخير مع المتقدم، بل قد يفضله في النوع أو الكمية.