والآن لنبقى مع بعض أسود معركة القادسية المجيدة والذين أذل اللَّه بهم ربع مليون فارسي قذر:-
زهرة بن الحُوِيَّة: طلب قائد الفرس (رَستم) -بفتح الراء- أن يتفاوض مع المسلمين قبل المعركة، فتقدم له أول الأسود وهو الليث العربي (زهرة بن الحُوِيَّة)، فقال له رستم: أنتم جيراننا، وكنتم تأتوننا وتطلبون منا الطعام، وكنا نعطيكم ولا نمنعكم، وكنا نحسن جواركم، وكنا نُظِلُّكم بظلِّنا، ونطعمكم من طعامنا، ونسقيكم من شرابنا، وكنتم تأتوننا ولا نمنعكم من التجارة في أرضنا، فلم جئتم الآن تحاربوننا؟ فتبسَّم زهرة وقال: صدقت في قولك عمَّن كانوا قبلنا، فلقد كانوا يطلبون الدنيا، ولكن نحن نطلب الآخرة! كنا كما تقول حتى بعث اللَّه إلينا رسولًا، وأنزل عليه كتابًا، فدخلنا معه في دينه، وقال له اللَّه: إني مسلِّطٌ هذه الفئة على من خالفني، ولم يَدِنْ بديني، فإني مُنتقِمٌ منهم، وأجعل لهم الغلبة ما داموا مُقرِّين بي! ربعي بن محامر: في اليوم التالي أرسل رستم يطلب من المسلمين التفاوض للمرة الثانية، فانطلق ربعي على فرسه الصغير ذي الذيل القصير، وذهب به لمقابلة رستم، وقد ربط سيفه في وسطه بشيء غنمه من الفُرْسِ (إمعانًا باحتقارهم)، فدخل بفرسه ووقف على باب خيمة رستم، فطلب منه الفرس أن ينزع سلاحه، فقال: لا، أنتم دعوتموني، فإن أردتم أن آتيكم كما أُحِبُّ، وإلا رَجعتُ! فأخبروا رستم بذلك، فقال: ائذنوا له بالدخول. فدخل بفرسه على البُسُطِ الممتدة أمامه، وعندما دخل بفرسه وجد الوسائد المُوَشَّاة بالذهب؛ فقطع إحداها، ومرر لجام فرسه فيها وربطه به! ثم أخذ رمحه، واتجه صوب رستم وهو يتكئ عليه، والرمح يدب في البسط فيقطعها، فلم يترك بساطًا في طريقه إلا وقطعه، ووقف أهل فارس في صمت عجبًا من ثقة هذا العرب الذي يحتقرهم في عقر دارهم، فبدأ رستم بالكلام؛ فقال له رستم: ما جاء بكم؟ فقال له: لقد إبتعثنا اللَّهُ لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، فمن قَبِلَ ذلك منا قبلنا منه، وإن لم يقبل قبلنا منه الجزية، وإن رفض قاتلناه حتى نظفر بالنصر! فقال رستم: قد تموتون قبل ذلك. فقال: وعدنا اللَّه عز وجل أن الجنة لمن مات منا على ذلك، وأن الظفر لمن بقي منا، فقال: فهل لك أن تؤجلنا حتى نأخذ الرأي مع قادتنا وأهلنا؟ فقال له ربعي بكل