استخفاف: نعم، أعطيك، كم تحب: يومًا أو يومين؟ فأحس قائد الجيش الإمبراطوري الفارسي رستم بأنه صار هُزْأةٌ بين فرسان العرب وهو الذي يقدسه كل أهل فارس، لكنه تحامل على نفسه وقال مستعطفًا ربعي بن عامر: أعطني أكثر! فقال ربعي: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سنَّ لنا أن لا نمكن آذاننا من الأعداء، وألا نؤخرهم عند اللقاء أكثر من ثلاث! حذيفة ابن محصن: في اليوم التالي بعث رستم برسالة إلى المسلمين يطلب فيها مقابلة ربعي من جديد، فأرسل المسلمون له رجلًا ثالثًا، وكأنهم يتبارون أيهم يهين الفرس أكثر من غيره! فدخل عليه حذيفة ابن محصن وهو راكب فرسه (دلالة على شدة الاستهانة بهم)، ودخل حذيفة بجواده يمشي به على البُسط، وظل راكبًا حتى وصل إلى رستم بجواده!!! ولنا أن نتخيل هذا الموقف: حذيفة فوق حصانه يكلمه، فقال له رستم: انزل يا عربي. فقال له ذلك العربي: لا أنزل؛ أنتم دعوتموني، فإن أردتم أن آتيكم كما أُحِبُّ، وإلا رجعت! فقبل رستم على مضض ثم قال له: ما جاء بكم؟ فقال له: إن اللَّه عز وجل مَنَّ علينا بدينه، وأرانا آياته فعرفناه، وكنَّا له منكرين، ثم أمرنا بدعاء الناس إلى ثلاث فأيُّها أجابوا قبلناه: الإسلام وننصرف عنكم، أو الجزاء (أي الجزية)، أو المنابذة. فقال له رستم: هل من الممكن أن تعطينا فرصة؟ فقال له حذيفة: نَعَمْ، ثلاثة أيام. فقال: إذن تقاتلونا في اليوم الرابع. فقال الأسد العربي بكل عزة وثقة: ثلاثة أيام ليس من اليوم بل من أمس!!! المغيرة بن شعبة: في اليوم الثالث طلب رستم التفاوض من جديد، فجاء الدور على صاحب رسول اللَّه المغيرة بن شعبة الثقفي لكي يهين الفرس قليلًا بطريقته الخاصة. وعلى الرغم من أن المغيرة يتقن الفارسية، إلا أنه لم يتكلم معهم إلا بالعربية، من شدة عزته بلغة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، فدخل عليه المغيرة بن شعبة وقد ترك حصانه بالخارج؛ ففرح رستم وظن أنه سيحترمه هذه المرة ولن يكون كسابقيه من الرسل، فظل المغيرة يمشي حتى وصل إلى رستم، فجلس بجانبه على السرير المُذهَّب، فصرخ الفرس في وجهه، إذ أن الفُرْسُ جميعهم يقفون بعيدًا جدًّا عن رستم، حتى لا يلوثوا الهواء من حوله! فقامت الحاشية بسرعة لكي تجذبه من مكانه، فقال لهم المغيرة: "واللَّه جلوسي جنب أميركم لم يزدني شرفًا! ولم ينقصه شيئًا، واللَّه يا أهل فارس إنَّا كانت تبلغنا عنكم الأحلام (أي نسمع عنكم أنكم عقلاء)، ولكني أراكم أسفهَ قوم، واللَّهِ الآن أدركتُ أن أمركم