وقال الحبر البحر الحراني (٢٤/ ٨٠): وكيف يليق بابن عباس أن يقول فعل ذلك كي لا يحرج أمته والوقت المشهور هو أوسع وأرفع للحرج من هذا الجمع الذي ذكروه، وكيف يحتج على من أنكر عليه التأخير لو كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما صلى في الوقت المختص بهذا الفعل (١)، وكان له في تأخيره المغرب حين صلاها قبل مغيب الشفق وحدها، وتأخير العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه ما يغنيه عن هذا.
وإنما قصد ابن عباس جواز تأخير المغرب إلى وقت العشاء ليبين أن الأمر في حال الجمع أوسع منه في غيره، وبذلك يرتفع الحرج عن الأمة، ثم ابن عباس قد ثبت عنه في الصحيح أنه ذكر الجمع في السفر، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع بين الظهر والعصر في السفر إذا كان على ظهر سيره ... فعلم أن لفظ الجمع في عُرْفهِ وعادته إنما الجمع في وقت إحداهما، أما الجمع في الوقتين فلم يعلم أنه تكلم به، فكيف يعدل عن عادته التي يتكلم بها إلى ما ليس كذلك؟
وأيضًا فابن شقيق يقول: حاك في صدري من ذلك شيء فأتيت أبا هريرة فسألته فصدق مقالته، أتراه حاك في صدره أن الظهر لا يجوز تأخيرها إلى آخر الوقت؟ وأن العصر لا يجوز تقديمها إلى أول الوقت؟ وهل هذا مما يخفى على أقل الناس علمًا حتى يحيك في صدره منه؟ وهل هذا مما يحتاج أن ينقله إلى أبي هريرة أو غيره حتى يسأل عنه إن هذا مما تواتر عند المسلمين وعلموا جوازه وإنما
(١) أما ما وقع في رواية النسائي: أخر الظهر وعجل العصر ... إلخ، فهذا مدرج من كلام جابر أبي الشعثاء ومن تحته كما بينت رواية البخاري برقم [١١٧٤]، ومسلم برقم [٧٠٥] ذلك، وممن جزم بالإدراج المنذري انظر: «تهذيب السنن» (٢/ ٥٦)، وابن عبد البر في «التمهيد» (١٢/ ٢١٩).