كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ، وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ مَسْجِدًا، وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا، إِذَا لَمْ نَجِدِ الْمَاءَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فَلَمَّا خَصَّ التُّرْبَةَ بِالذِّكْرِ بَعْدَ تَعْمِيمِ الْأَرْضِ بِكَوْنِهَا مَسْجِدًا عُلِمَ اخْتِصَاصُهَا بِالْحُكْمِ، وَحَدِيثُ الرَّمْلِ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ الْمُثَنَّى بْنَ الصَّبَّاحِ، ثُمَّ إِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الرِّمَالِ الَّتِي فِيهَا تُرَابٌ، " لِأَنَّهُ جَاءَ " بِلَفْظٍ آخَرَ " عَلَيْكُمْ بِالتُّرَابِ " فَيَدُلُّ عَلَى الَّذِي فِي الرَّمْلِ إِنَّمَا تَيَمَّمَ بِالتُّرَابِ لِأَنَّ الْعَرَبَ عَادَتُهَا أَنْ تَعْزُبَ إِلَى الْأَرْضِ لَهَا حَشَائِشُ رَطْبَةٌ، وَإِنَّمَا الْحَشَائِشُ الرَّطْبَةُ فِي الرَّمْلِ الَّذِي يُخَالِطُهُ التُّرَابُ، وَلِأَنَّ الرَّمْلَ لَا يَلْصَقُ بِالْيَدِ فَأَشْبَهَ الْحَصَاءَ، وَلِأَنَّ طَهَارَةَ الْوُضُوءِ خُصَّتْ بِالنَّوْعِ الَّذِي " هُوَ " أَصْلُ الْمَائِعَاتِ، وَكَذَلِكَ التَّيَمُّمُ يُخَصُّ بِالنَّوْعِ " الَّذِي " هُوَ أَصْلُ الْجَامِدَاتِ وَهُوَ التُّرَابُ، فَأَمَّا الْأَرْضُ السَّبِخَةُ فَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ: " أَرْضُ الْحَرْثِ أَحَبُّ إِلَيَّ وَإِنْ تَيَمَّمَ مِنْ أَرْضٍ سَبِخَةٍ أَجْزَأَ "، وَقَالَ أَيْضًا: " مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَوَقَّى السَّبَخَةَ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْمِلْحَ "، وَقَالَ أَيْضًا: " لَا يُعْجِبُنِي التَّيَمُّمَ بِالسِّبَاخِ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي يَدِهِ مِنْهُ شَيْءٌ يَخْرُجُ مِنْهَا إِلَى غَيْرِهَا " فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ جَعَلَهَا كَالرَّمْلِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا إِذَا كَانَ لَهَا غُبَارٌ فَهِيَ كَالتُّرَابِ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا غُبَارٌ فَهِيَ كَالرَّمْلِ، وَعَلَى هَذَا يُنَزَّلُ كَلَامُ أَحْمَدَ، فَإِنْ عَدِمَ التُّرَابَ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّيَمُّمُ بِالرَّمْلِ وَالسَّبَخَةِ وَالنُّورَةِ وَالْكُحْلِ وَالزِّرْنِيخِ وَالرَّمَادِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute