ذهب وجوهها كالمصابيح حسنا ووبرها كخز المْرعِزّي من لينه، عليها رحال ألواحها من ياقوت، ودفوفها من ذهب، وثيابها من سندس وإستبرق، فينيخونها ويقولون: إن ربنا أرسلنا إليكم لتزوروه وتسلموا عليه قال: فيركبونها، فهي أسرع من الطائر، وأوطأ من الفراش، نجيا من غير مَهَنَة، يسير الرجل إلى جنب أخيه وهو يكلمه ويناجيه، لا تصيب أذن راحلة منها أذن الأخرى، ولا بَرك راحلة برك الأخرى، حتى إن شجرة لتتنحَّى عن طريقهم، لئلا تفرق بين الرجل وأخيه. قال: فيأتون إلى الرحمن الرحيم فيسفر لهم عن وجهه الكريم حتى ينظروا إليه، فإذا رأوه قالوا: اللهم، أنت السلام ومنك السلام، وحق لك الجلال والإكرام. قال: فيقول تعالى [عند ذلك] أنا السلام ومني السلام، وعليكم حقت رحمتي ومحبتي، مرحبا بعبادي الذين خشوني بغيب وأطاعوا أمري".
قال: فيقولون: ربنا لم نعبدك حق عبادتك، ولم نقدرك حق قدرك، فأذن لنا في السجود قُدامك قال: فيقول الله: "إنها ليست بدار نصب ولا عبادة، ولكنها دار مُلْك ونعيم، وإني قد رفعت عنكم نصب العبادة، فسلوني ما شئتم، فإن لكل رجل منكم أمنيته" فيسألونه، حتى أن أقصرهم أمنية ليقول: رب، تنافس أهل الدنيا في دنياهم فتضايقوا فيها، رب فآتنى مثل كل شيء كانوا فيه من يوم خلقتها إلى أن انتهت الدنيا. فيقول الله تعالى: "لقد قصرت بك أمنيتك، ولقد سألت دون منزلتك، هذا لك مني، [وسأتحفك بمنزلتي]؛ لأنه ليس في عطائي نكد ولا تَصريد". قال: ثم يقول: "اعرضوا على عبادي ما لم يبلغ أمانيهم، ولم يخطر لهم على بال". قال: فيعرضون عليهم حتى تَقْصر بهم أمانيهم التي في أنفسهم، فيكون فيما يعرضون عليهم براذين مُقْرنة، على كل أربعة منها سرير من ياقوتة واحدة، على كل سرير منها قبة من ذهب مُفرَّغة، في كل قبة منها فرش من فُرش الجنة مُتظاهرة، في كل قبة منها جاريتان من الحور العين، على كل جارية منهن ثوبان من ثياب الجنة، وليس في الجنة لون إلا وهو فيهما ولا ريح طيبة إلا قد عبقتا به ينفذ ضوء وجوههما غلظ القبة، حتى يظن من يراهما أنهما دون القبة، يرى مخهما من فوق سوقهما، كالسلك الأبيض في ياقوتة حمراء، يريان له من الفضل على صاحبته كفضل الشمس على الحجارة أو أفضل، ويرى هو لهما مثل ذلك، ويدخل إليهما فيحييانه ويقبلانه ويعتنقانه به، ويقولان له: والله ما ظننا أن الله يخلق مثلك. ثم يأمر الله تعالى