وكان من أعظم أمانيه أن يشرح "سنن أبي داود". فبدأ في تأليفه سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة وألف، يساعده في ذلك تلميذه البار الشيخ محمد زكريا بن محمد يحيى الكاندهلوي، وانصرف إلى ذلك بكلّ همّته وقواه، وعكف على جمع المواد وتهذيبها وإملائها , لذّة له، ولا همَّ في غيره، وأكبّ على ذلك إلى أن سافر إلى الحجاز السفرَ الأخيرَ في سنة أربع وأربعين وثلاثمائة وألف، ودخل المدينة في منتصف المحرم سنة خمس وأربعين، وانقطع إلى تكميل الكتاب حتى انتهى منه في شعبان سنة خمس وأربعين، وتمّ الكتاب في خمس مجلَّدات كبار.
وقد صبّ فيه الشيخ مهجة نفسه، وعصارة علمه، وحصيلة دراسته، وقد أجهد قواه، وأرهق نفسه في المطالعة والتأليف، والعبادة والتلاوة، والمجاهدة والمراقبة، حتى اعتراه الضعف المضني، وقلَّ غذاؤه، وغلب عليه الانقطاع، وحُبِّب إليه الخلاء، والشوق إلى اللقاء، يصرف أكثر أوقاته في تلاوة القرآن، ويحضر الصلوات في المسجد الشريف بشقّ النفس، وقد ودَّع تلاميذه، وخاصّة أصحابه للهند، وبقي في جوار النبي - صلى الله عليه وسلم -، نزيل المدينة، وحِلْس الدار، مشغول الجسم بالعبادة والذكر، مربوط القلب بالله ورسوله، منقطعًا عمّا سواه، حتى أجاب داعي الله في المدينة المنوَّرة.
كان الشيخ خليل أحمد له الملكة القوية، والمشاركة الجيدة في الفقه والحديث، واليد الطُّولى في الجدل والخلاف، والرسوخ التامّ في علوم الدِّين، والمعرفة واليقين، وكانت له قدم راسخة، وباع طويل في إرشاد الطالبين، والدلالة على معالم الرشد ومنازل السلوك، والتبصُّر في غوامض