وعلى أن الفرق بين القراءة ومس المصحف هو: أنه لو منع المحدث من قراءة القرآن لأدى إلى أن ينسى القرآن، لأن الناس في غالب أحوالهم يكونون محدثين، فلهذا جاز لهم أن يقرؤوا وليس كذلك مس المصحف؛ لأنَّه لا يؤدي إلى هذا، لنه يمكنه أن يقرأ فيه وإن لم يمسه، بأن يتصفح الورق بخشية، وبمن يمسكه له؛ ولهذا المعنى قلنا: لا يقرأ الجنب القرآن؛ لأنَّ الجنابة تقل، ولا يؤدي إلى نسيان القرآن، والحدث بغير الجنابة يكثر ويعتاده.
وماذ كروه من النجاسة فهو دليل لنا؛ لأن كل عضو لحقته النجاسة لم يجز أن يمسه به، كذلك الحدث لما كان حكمه حالاً في جميع أعضائه منع من مسه.
وما ذكروه من مسِّ الصبيان المصاحف والألواح، فإن الصبيان لا عباده عليهم، فطهارتهم ناقصة، ولا فرق بين مسهم إياها على طهارة أو غير طهارة، وليس كذلك الكبير؛ لأن طهارته تكون تامة فمنع من مسه إلا على طهارة.
وأيضاً فلو منعنا الصبيان من مسه إلا على طهارة أدَّى إلى أن لا يتعلموا القرآن؛ لأنَّهم إنما يتعلمونه في المصاحف والألواح، والغالب من أحوالهم أن يكونوا غير متطهرين.
وعلى أن قياسنا ترجح باستناده إلى ظاهر القرآن، وسنة النبي ﷺ وفعل الصحابة ﵁ والاحتياط إعظام حرمة المصحف والله أعلم.