وأيضا: فإن كل ما أسقط به الفرض مرة جاز أن يتكرر في ذلك الشيء ويسقط فرضا آخر، كالسقوط في الحدود، وكالمد في الكفارة، لو عاد إليه جاز أن يكفر به ثانية، وكالبقعة يتيمم عليها ثم يتيمم ثانية وكالثوب يصلي به صلاة فرض ثم يصلي به صلاة فرضا آخر.
فإن قيل: قياسكم عليه إذا غسل به ثوبا طاهرا المعنى فيه: أنه لم يسقط به فرضا، وليس كذلك إذا وقع به الحدث؛ لأنه يصير كالعتق في الكفارة.
قيل: علتنا أولى؛ لأنها تتعدى وتجلب حكما زائدا، ويشهد لها غير الماء مما يزيل فرضا ثم يجوز أن يزال به فرض آخر كما ذكرنا في السوط، والطعام في الكفارة، والثوب يصلي فيه. وأما العتق في الكفارة فلو جاز أن يعود الرق جاز ذلك فيه، ولكنه يزيل الملك أصلا حتى لا يصح أن يتملك ثانية. ألا ترى أن الطعام والكسوة لما صح عود الملك فيه جاز أن يسقط به فرض آخر.
وعلى أن هذا قد يتأتى في العتق على وجه؛ وذلك أن أبا حنيفة يجوز للمكفر أن يعتق رقبة كافرة في غير القتل، ثم يجوز أن تنقض تلك الرقبة المعتقة العهد، وتلحق بدار الحرب، ثم تسبى وتسلم عند السابي أو لا تسلم، فإن أسلمت جاز - عندنا - أن تعتقد في الكفارة