قيل: هذا لا فائدة فيه، ولا يجوز أن يقصده ﵇؛ لأنه معقول أن الجنسين إذا اختلطا لم تنقلب أعيانهما حين تصيرا عينين، هذا عين في الماء لم تغير حكمه عما كان عليه قبل حلولها فيه إلا أن تغلب عليه؛ لدليل اتفاقنا أن الماء إذا تغير بالنجاسة ينجس في قليله وكثيره، من بينها بأن جعله طاهرا مطهرا لغيره، وينبغي أن تحمل سنن رسول الله ﷺ على مالا يستفاد إلا من جهته، فأما ما يعلم من غير جهته فلا فائدة في حملها عليه، فإذا ثبت النص في الخبر انتفى معه كل اعتبار وقياس.
على أن الذي ذكروه من تجنب المحظور إذا اجتمع مع المباح وأنه واجب يسقط في أكثر الأصول مع منافاته للنص، وذلك أن النجس يكون محظورا في انفراده، وإذا اجتمع مع الماء يغلب عليه حتى يصير مستهلكا فيه يزول حكم الحظر عنه تخصيصا للماء، وذلك بمنزلة اللبن الذي يحصل بانفراده في جوف الرضيع فتثبت به الحرمة، ولو خلط بماء وغيره من المائعات حتى يغلب ذلك عليه لزال حكمه عما كان عليه، وكذلك قد نهي المحرم عن استعمال الزعفران على انفراده، ثم لو طبخ أو خلط بالمائعات التي تغلب عليه لجاز استعماله، فكذلك لا ننكر حديث النجاسة مع الماء إذا غلبها الماء.
فإن قيل: اللبن والزعفران طاهران يجوز استعمالهما منفردين.
قيل: إنه وإن جاز استعمالهما على انفرادهما فقد صار لهما حكم في المواضع التي ذكرناها في انفرادهما، ثم يزول ذلك الحكم مع مخالطتهما لغيرهما، فكذلك النجس.