قيل: قد ذكرنا الفصل بين الدم وسائر الأنجاس، وأن الله - تعالى - حرم المسفوح منه فدل أن غير المسفوح بخلافه، وإنما لم يحرم غير السفوح؛ لئلا يلحق فيه المشقة؛ لأن الإنسان لا يخلو في غالب حاله من أن يصيبه الذباب والبق والبراغيث والبثور وما أشبه ذلك، ومن أكله في اللحم والعروق، وليس كذلك الغائط والبول، فصار يسير البول في التحفظ منه مثل كثير الدم في التحفظ منه إذا لم تكن ضرورة، وكذلك دم الحيض على الرواية التي تحرم قليله؛ لأنه ليس الغالب منه إصابة الثياب، ومع هذا فيختص به النساء، وليس كذلك سائر الدماء، ولان قليله ينقض الطهر ويوجب الغسل، كالمني فلهذا فرق مالك بينه وبين سائر الدماء.
ويجوز أن يحتج بقوله - تعالى - ﴿وثيابك فطهر﴾، وهذا المراد به تطهير من نجس، ولم يفرق بين القليل والكثير فهو عموم إلا أن يخصه دليل.