وهؤلاء الذين ينفون التأويل مطلقاً، ويحتجون بقوله تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ﴾ [آل عمران: ٧] قد يظنون أنا خوطبنا في القرآن بما لا يفهمه أحد، أو بما لا معنى له، أو بما لا يُفهم منه شيء.
وهذا مع أنه باطل؛ فهو متناقض؛ لأنا إذا لم نفهم منه شيئاً؛ لم يجز أن نقول:«له تأويل يخالف الظاهر ولا يوافقه»، لإمكان أن يكون له معنى صحيح، وذلك المعنى الصحيح لا يخالف الظاهر المعلوم لنا - فإنه لا ظاهر له على قولهم -؛ فلا تكون دلالتُه على ذلك المعنى؛ دلالةً على خلاف الظاهر؛ فلا يكون تأويلاً.
ولا يجوز نفي دلالته على معانٍ لا نعرفها على هذا التقدير، فإن تلك المعاني التي دلت عليها قد لا نكون عارفين بها، ولأنا إذا لم نفهم اللفظ، ومدلوله المراد؛ فلأن لا نعرف المعاني التي لم يَدُل عليها اللفظ أَوْلى؛ لأن إشعار اللفظ بما يراد به أقوى من إشعاره بما لا يراد به، فإذا كان اللفظ لا إشعار له بمعنى من المعاني، ولا يفهم منه معنى أصلاً؛ لم يكن مشعراً بما أريد به؛ فلأن لا يكون مشعراً بما لم يرد به أَوْلى.
فلا يجوز أن يقال:«إن هذا اللفظ متأول»، بمعنى أنه مصروف عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح، فضلاً عن أن يقال:«إن هذا التأويل لا يعلمه إلا الله»، اللهم إلا أن يراد بالتأويل ما