بعد اتفاقهم على أن الله تعالى لا يفعل ما هو قبيح: هل لا يفعله لأنه ممتنع لذاته، ولا تتصور قدرته عليه؟ أو: أنه ﷾ لا يفعله وأنه منزه عنه لمجرد كونه قبيحاً عقلاً؟ على قولين.
فمثلاً: اتفق الجميع على امتناع الظلم مِنْ الله تعالى، لكن الأشاعرة قالوا:«إنه لا يفعله؛ لأنه مستحيل عليه، وغير متصور منه، ولا يقدر عليه؛ لأنه إنما يتصرف في ملكه، والظلمُ التصرف في ملك الغير».
وهذا القول باطل؛ لأن المستحيل لا يمتدح بتركه والتنزهِ عنه، والله تعالى يقول: ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيد (٤٦)﴾ [فصلت].
والمعتزلة قالوا:«لا يفعله؛ لأنه قبيح عقلاً»، فهم في الحقيقة قاسوا الخالق على المخلوق، فجعلوا كلَّ ما قَبُح من الخلق؛ قبح من الخالق، فما ظنوه بعقولهم قبيحاً؛ منعوه عن الله تعالى.
وهذا هو الذي آل بهم إلى إنكار القدر؛ فنسبوا إلى الله العَجْز، وأخرجوا كثيراً من الموجودات عن ملكه ومشيئته، وذلك أنهم أخرجوا أفعال العباد عن خلق الله تعالى؛ لأن تعلق مشيئة الرب بأفعال العباد؛ مِنْ الظلم الذي يجب تنزيه الرب عنه بزعمهم، وسموا ذلك «عَدْلاً».
وكلا القولين في الانحراف مِنْ جنس القولين المتقدمين، أي: في مسألة «الحسن والقبح»، بإثبات الحُسن والقبح العقليين، ونفي الحسن والقبح العقليين، وإخراجهما ذلك عن معنى الملاءمة والمنافرة.
وقد دلت الأدلة الشرعية على أن الأشياء في ذاتها حسنة، أو قبيحة قبل ورود الشرع بالأمر، أو النهي.