قوله: كتاب الجهاد، أي هذا كتاب تذكر فيه أبواب أحكام الجهاد، ووضعه المؤلف إثر كتاب الحدود اتباعًا لطريقة المصنفين من الشافعية، وأما الحنابلة فإنهم يجعلون الجهاد آخر أبواب العبادات، بعد كتاب الحج وأبواب الهدايا والضحايا.
والجهاد في اللغة: مصدر جاهد يجاهد مجاهدة وجهادًا، وهو بذل الجهد للوصول إلى الأمر المطلوب، وهو في الشرع نوعان: عام وخاص، فأما العام فهو بذل الوسع للقيام بكل ما أمر الله به، فيدخل فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وجهاد الكفار بنوعيه، جهادهم بالحجة والبيان، كما قال تعالى: ﴿وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (٥٢)﴾ [الفرقان: ٥٢]، وجهادهم بالسيف والسنان، وأما الجهاد بمعناه الخاص، فهو: جهاد الكفار بالقتال؛ لتكون كلمة الله هي العليا، وهذا هو المراد من الجهاد في سبيل الله في أكثر النصوص، وهذا الجهاد هو ذروة سنام الإسلام، قال ﷺ:«رَأْسُ الْأمْرِ الْإسْلَامُ، وعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامهِ الْجهَادُ»(١).
وقد استفاضت النصوص في الأمر به والترغيب فيه، والثناء على أهله، وبيان ما أعد الله لهم في العقبى، قال تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ [البقرة: ١٩٠]، وقال سبحانه: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيم (٢٤٤)﴾ [البقرة: ٢٤٤]، وقال تعالى: ﴿فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النساء: ٨٤]، وقال: ﴿وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كافَّةً﴾ [التوبة: ٣٦]، وقال: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ﴾ [التوبة: ١٢٣]، وقال: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ﴾ [الأنفال: ٦٥]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ﴾
(١) رواه الترمذي (٢٦١٦)، وابن ماجه (٣٩٧٣)، وأحمد (٢٢٠١٦)، والنسائي في «الكبرى» (١١٣٣٠)؛ عن معاذ بن جبل ﵁.