الحمدُ للهِ الذي هدانا للإسلامِ، وأبان لنا معالمَ الحلالِ والحرامِ، وصلَّى اللهُ وسلَّم على عبدِهِ ورسولِهِ محمَّدٍ سيِّدِ المرسَلينَ وخيرِ الأنامِ، وعلى آلِهِ التقاة الكرامِ، وأصحابِهِ الهداةِ الأعلامِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فإنَّ أشرفَ ما سعى في تحصيلِهِ أولو العقول - بعد كتاب الله ﷾ ميراث الرسول ﷺ، وهو الحديثُ النبويُّ، الذي هو المصدر الثاني من مصادر التشريع بعد القرآن؛ فهو المبين للقرآن العظيم، والمفصل لمجملاته، والموضح لأحكامه؛ قال تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ﴾؛ أي: القرآن؛ ﴿لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل: ٤٤]؛ أي: في هذا الكتاب من الأحكام والوعد والوعيد؛ فالرسول ﷺ يبين عن الله ﷿ مراده مما أجمله في كتابه؛ من أحكام الصلاة والزكاة والحج، وسائر العبادات والشرائع.
ولقد عُني العلماء بالسنة أيما عناية، فصوبوا نحوها الأنظار، ووضعوا فيها الأسفار، وصنفوا في السنن والأحكام، وفي الحلال والحرام.
وإن من أجَلِّ الكتب المصنفة في أحاديث الأحكام: كتاب «بلوغ المرام، من أدلة الأحكام»، الذي ألفه الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تغمده الله برحمته؛ إذ استوعب فيه جمهرة أدلة الأحكام التي يحتاج إليها العلماء ويعتمدها المفتون، ولم يفُتْهُ إلا القليل؛ رغبة منه في الإيجاز.
وقد اعتنى الحافظ بتحرير كتابه هذا وتهذيبه، وأولاه ما أولاه من عناية، حتى بلغ به الغاية؛ ألا تراه في ديباجته يصرح بأنه: «حرره تحريرًا بالغًا؛ ليصير