قوله: كتاب القضاء، أي: هذا كتاب ذكر الأحاديث المتعلقة بالقضاء، والقضاء في اللغة الحُكم، وفي الاصطلاح هو الفصل بين الخصمين، ومن شواهده في القرآن قوله تعالى: ﴿* وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَاب (٢١) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاء الصِّرَاط (٢٢)﴾ [ص: ٢١ - ٢٢] الآيات، وقوله سبحانه: ﴿وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِين (٧٨)﴾ [الأنبياء: ٧٨] الآيات. ومن السنة ما ذكره المؤلف في هذا الباب.
وإذا كان القضاء هو الفصل بين الخصمين بما يقطع النزاع ويوصل الحقوق إلى أصحابها فتولِّيه فرض كفاية، فيجب على ولي الأمر أن يَنصِب في الناس قضاة يحكمون فيهم بعلم وعدل، فلذا يشترط في القاضي أن يكون عالمًا بما توجبه الشريعة، وديِّنًا يتحرى الحق ما استطاع؛ فإن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر، وبهذا يُعلَم أن منصب القضاء منصب شريف تولاه النبي ﷺ والأنبياء قبله، قال تعالى: ﴿يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [ص: ٢٦]، وقال لنبيه ﷺ: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنْزَلَ اللّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ﴾ [المائدة: ٤٨] إلى قوله: ﴿وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ﴾ [المائدة: ٤٩] الآية، وقال: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلَا تَكُنْ لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (١٠٥)﴾ [النساء: ١٠٥].