تضمنت هذه الأحاديث هديه ﷺ في القسم بين زوجاته الحديثة والقديمة، وفي سفره وإقامته، وما يتبع ذلك من مصالحته لبعض أزواجه في حقها، وتحريه للعدل في القسم، وإن لم يكن واجبًا عليه، لقوله تعالى: ﴿تُرْجِي مَنْ تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاء﴾ [الأحزاب: ٥١].
وفي هذه الأحاديث فوائد؛ منها:
١ - أن النبي ﷺ كان يقسم بين نسائه، ويعدل بينهن في القسم.
٢ - أن العدل الواجب في ذلك هو ما يملكه الإنسان، وهو المستطاع.
٣ - أنه لا لوم على الإنسان بترك ما لا يستطيع كالمحبة، وقيل: كالجماع؛ لأنه تابع للمحبة، والصحيح أن العدل في الجماع ممكن، فلا يحل له تعمد ترك جماع إحداهن ليتوفر للأخرى.
مسألة: هل يجب على الرجل العدل بين زوجاته في الهبة والعطية، مما هو زائد على الواجب؟
ذهب كثير من الفقهاء من أصحاب المذاهب إلى أنه لا يجب العدل في مثل ذلك، فله أن يفضل إحدى زوجاته بهدية أو عطية، وهذا القول خلاف ظاهر الأدلة من الكتاب والسنة، كقوله سبحانه: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً﴾ [النساء: ٣]، وقوله ﷺ:«اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ، فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ» والعدل في الهبة والعطية مقدور عليه، فتجب مراعاته، ومن لا يعدل في ذلك لن تستقيم حياته الزوجية، بل يكون معهن في شقاق وشقاء، ولا يدفع الفساد والإثم بإخفاء ذلك، لقوله ﷺ:«وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ وَكَرِهْتَ أنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ»(١)، وقد يكون من دوافع تفضيل إحدى الزوجات مراعاة أولادها، لأن ما يخصها به يعود شيء من نفعه إليهم، فيفضي ذلك إلى نوع آخر من الجور، وهو ترك العدل بين الأولاد، والله أعلم.