للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

للمرة الأولى، وهو في طريقه إلى إسطنبول. ويقول كاتب سيرته: «إن أحد المجاورين في رواق الشوام قال إنه جاء مصر عالم أفغاني عظيم وهو يقيم في خان الخليلي، فسر الشيخ (محمد عبده) بذلك وأخبر الشيخ حسن الطويل ودعاه إلى زيارته معه فألفياه يتعشى، فدعاهما إلى الأكل معه، فاعتذرا، فطفق يسألهما عن بعض آيات القرآن وما قاله المفسرون والصوفية فيها، ثم يفسرها لهما. فكان هذا مما ملأ قلب فقيدنا به عجبًا وشغفه حبًا، لأن التصوف والتفسير هما قرة عينه، أو كما قال، مفتاح سعادته» (٣).

عندما عاد الأفغاني إلى مصر في ١٨٧١، كان محمد عبده أشد الطلاب الملتفين حوله حماسًا، يستمع إلى الدروس غير الرسمية التي كان يلقيها في داره، ويعمل على نشر أفكاره. وفي هذه الفترة أخذ، بتأثير من الأفغاني، يدرس الفلسفة. ولدينا نسختان بخط يده من كتاب «الإشارات» لابن سينا تشهدان بمدى اهتمامه بها في ذلك الحين، وقد اختتم إحداهما بتقريظ الأفغاني (٤). وفي هذه الفترة أيضًا أخذ يشتهر ككاتب في الشؤون الاجتماعية والسياسية، وذلك بفضل المقالات التي كان ينشرها في صحيفة «الأهرام» التي كان قد أسسها حديثًا في القاهرة أخوان من لبنان. وفي ١٨٧٧ أنهى دراسته بنيل شهادة «العالمية». ثم اشتغل بالتدريس كمهنة بقيت دومًا أقرب المهن إلى سجيته. فدرس في الأزهر، كما كان يلقي دروسًا خاصة في داره. ثم انتقل بعد قليل إلى «دار العلوم»، التي أنشئت حديثًا لتزويد طلاب الأزهر، المعدين للقضاء أو التعليم في المدارس الحكومية، بثقافة عصرية. وبين الكتب التي كان يحاضر عنها في داره كتاب تهذيب الأخلاق لمسكويه، والترجمة العربية لكتاب غيزو عن تاريخ المدنية الأوروبية. وأول درس ألقاه في دار العلوم كان عن مقدمة ابن خلدون، التي كان قد نشرها الطهطاوي في القاهرة في ١٨٥٧. ويدل اختيار هذه الكتب على النهج الذي كان ذهنه منصرفًا إليه. فقد كان مسكويه نسخة إسلامية عن

<<  <   >  >>