تعكس أفكار الأفغاني السياسية. ولعل هذا ما حمل الخديوي توفيق. عندما نفى الأفغاني من مصر، على أن يأمر محمد عبده بالاعتزال في قريته التي لم يغادرها إلى القاهرة حتي ١٨٨٠، حين عينه رئيس الوزراء رياض باشا في بادئ الأمر محررًا في المجلة الرسمية «الوقائع المصرية»، ثم رئيسًا لتحريرها. وخلال سنتي الأزمة اللاحقتين، لعب دورًا هامًا في توجيه الرأي العام بسلسلة من المقالات عن النظام الاجتماعي وخاصة عن التربية الوطنية. لكنه في ذلك الحين كان قد أصبح أحد زعماء الجناح المدني للمقاومة الشعبية. وقد وضع مع فريق من الزعماء المدنيين، بتحريض من بلنط، عريضة أرسلت إلى جلادستون ونشرت في جريدة التايمس. ولم يكن محمد عبده موافقًا، إذ ذاك، على آراء العسكريين وأساليبهم، كما لم يكن ينظر إلى عرابي باشا نظرة إعجاب؛ إلا أنه لم يتردد، عندما بدأ الهجوم البريطاني، في التقرب منهم والقيام بما في وسعه لتنظيم المقاومة الشعبية. وقد ألقي القبض عليه، بعد الاحتلال البريطاني وعودة الخديوي إلى الحكم، وسجن لمدة قصيرة، وعومل معاملة سيئة. وقد ترك ذلك وانهيار الحركة القومية أثرًا عميقًا في نفسه. فقد قال المحامي البريطاني الذي أرسله بلنط للدفاع عن عرابي في محاكمته:«إن عظمة محمد عبده الفكرية كانت قد حجبتها، لفترة ما، غيوم الضعف المعنوي والجسدي. فقد بدا عقله وجسده وكأن ردة الفعل المتولدة من الآمال الخائبة ونزاع اليأس قد حطمتهما تحطيمًا لم يبق معه أي أمل في الشفاء»(٥).
ثم حكم عليه بالنفي لمدة ثلاث سنوات، فذهب أولًا إلى بيروت، ثم ألتحق بالأفغاني في باريس، حيث ساعده على تنظيم جمعيته السرية وإصدار مجلة «العروة الوثقى». وقد جذبته، بقوة، مشاريع الأفغاني السياسية، فزار لندن في ١٨٨٤ للبحث مع هرتنغتون وسواه في قضية مصر والسودان. ثم سافر، بعد توقف «العروة» عن الصدور، إلى تونس، ومنها إلى مصر، متنكرًا، على أمل اللحاق