في الأزهر عند الإمكان، ويكتب عند سنوح الفرصة. ولعل أهم مؤلفاته بحث منظم في علم الكلام، مستمد من محاضراته في بيروت، صدر بعنوان «رسالة التوحيد». لكنه كتب أيضًا تفاسير لبعض أجزاء من القرآن، وأسهم مع أحد معاونيه، رشيد رضا، في إعداد تفسير مستفيض للقرآن بكامله مبني على محاضراته. إلا أن وفاته حالت دون إنجازه.
تعلم محمد عبده، في النصف الثاني من حياته، قراءة اللغة الفرنسية، وطالع الفكر الأوروبي المعاصر على نطاق واسع. وكانت مكتبته تحتوي، فيما تحتويه من الكتب العديدة، كتاب «اميل» لروسو، وكتاب «التربية» لسبنسر، وروايات تولستوي ومؤلفاته التعليمية، وكتاب «حياة يسوع» لشتراوس، وتآليف رينان (٨). وكان على اتصال ببعض المفكرين الأوروبيين، فكتب رسالة إلى تولستوي، وذهب إلى برايتون لمقابلة سبنسر. وكان يزور أوروبا، كلما سنحت له الفرصة، لتجديد نفسه كما كان يقول، ولإنعاش آماله في شفاء العالم الإسلامي من حالته الحاضرة (٩).
وهكذا أصبح الإمام محمد عبده، في آخر أيامه، بفضل كتاباته ومشاغله العامة، من أوسع الناس شهرة وأحبهم إلى القلوب في مصر. إن الصورة التي أخذت له على سطح مجلس العموم، في أثناء زيارته لإنكلترا في ١٨٨٤، تظهر لنا رجلًا وسيمًا مربوع القامة، أسمر اللون، ذا سحر هادئ كئيب لا يقوى على حجب بريق الإيمان في عينيه حجبًا تامًا. وقد ازدادت لديه في أواخر أيامه معالم اللطف والذكاء، ونوع خاص من الروعة الروحية.
كان على صلة طيبة بكرومر، وبالوقت نفسه، بأبلغ منتقديه، ويلفريد بلنط. وكان يحيط به فريق من الأصدقاء والأتباع المخلصين ممن برزوا في الحياة المصرية فيما بعد. لكن تصلبه في تفكيره فعل فعله أيضًا: ففيما كان الذين يحبونه يحبونه كثيرًا،