للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

كان هناك من يتبرم بنفوذه أو يعارض معتقداته الدينية والسياسية، أمثال المحافظين في الأزهر، والقوميين الملتفين حول مصطفى كامل، والخديوي عباس حلمي. فقد كان الخديوي ومصطفى كامل يعارضانه لأسباب سياسية على الأكثر، أما المحافظون فكان من شأن بعض تعاليمه أن تثير غضبهم حقًا.

انطلق تفكير الإمام عبده، كما انطلق تفكير الأفغاني، من قضية الانحطاط الداخلي والحاجة إلى البعث الذاتي. وكان يشعر، كالأفغاني، بوجود نوع من الانحطاط الخاص بالمجتمعات الإسلامية. فالنبي محمد لم يرسل، وفقًا للنظرة الإسلامية السنية، للدعوة إلى الخلاص الفردي فحسب، وإنما لتأسيس مجتمع فاضل أيضًا. وعلى هذا كان بعض التصرفات في المجتمع يتوافق مع دعوة النبي ومشيئة الله وبعضها لا يتوافق. ومع تغير الظروف كان لا بد من أن يواجه المجتمع والحكام قضايا لم تتعرض لها الدعوة النبوية، فتصرفوا فيها تصرفًا قد يبدو مخالفًا لهذه الدعوة. فكيف السبيل إلى التوفيق بين ما ينبغي للمجتمع الإسلامي أن يكون عليه، وبين ما بات عليه في الواقع؟ وبأي معنى يمكن القول بأن المجتمع الإسلامي لا يزال مجتمعًا إسلاميًا حقًا؟ لقد شغلت هذه القضية المفكرين المسلمين طيلة القرون الوسطى المتأخرة، فجاءت الآن حركة الاقتداء بالغرب تطرحها من جديد. وكانت مصر، في الوقت الذي بدأ فيه محمد عبده يكون أفكاره ويعبر عنها، قد بلغت، على غرار الإمبراطورية العثمانية، جيلها الثاني من التغير. وكان إسماعيل قد نفح هذا التطور بقوة دافعة جديدة، أقرت على أثرها سلسلة من القوانين الجديدة، وأنشأت مدارس من الطراز الجديد، كما راح الناس يتحدثون عن مؤسسات سياسية جديدة. وفضلًا عن ذلك فقد أخذت تبرز في جميع حقول الحياة قضايا لم يكن ليحلم بها الذين وضعوا الشريعة في قوانين. ولم يأسف محمد عبده على العموم لهذا التغير، لا بل بقي مقتنعًا، ابتداءً من السبعينيات حتى وفاته، بأن هذا التطور

<<  <   >  >>