الخلقية. ولبلوغ هذا الهدف، رسم طريقًا واحدًا، هو عدم الرجوع إلى الماضي وتوقيف مجرى التطور الذي بدأه محمد علي، بل الاعتراف بالحاجة إلى التغيير وربط هذا التغيير بمبادئ الإسلام، وذلك بإثبات أن هذا التغيير الحاصل ليس مما يجيزه الإسلام فحسب، بل إنما هو من مستلزماته الضرورية إذا ما فهم على حقيقته، وإن الإسلام يمكنه أن يشكل، في الوقت نفسه، المبدأ الصالح للتغيير والرقابة السليمة عليه. ولم يكن محمد عبده ليهتم، كما اهتم خير الدين في الجيل السابق، بالتساؤل إذا كان بإمكان المسلمين المتمسكين بأهداب الدين قبول مؤسسات العالم الحديث وأفكاره، وذلك لاعتقاده أن هذه المؤسسات والأفكار إنما أتت لتبقى، وأن على من يرفضها أن يتحمل نتائج رفضه هذا. لكنه طرح على نفسه السؤال المعاكس: هل بإمكان من يعيش في العالم الحديث أن يبقى مسلمًا مؤمنًا بالإسلام كل الإيمان؟ لذلك لم يتوجه بكتاباته إلى المسلمين المؤمنين المتسائلين إذا كان بالإمكان قبول المدنية الحديثة، بقدر ما توجه بها إلى الآخذين بالثقافة الحديثة، الشاكين في صلاح الإسلام، أو، بالأحرى، في صلاح أي دين لهداية الناس في هذه الحياة. إن هذه الطبقة هي ما كان يشكل، في نظره، الخطر الأكبر على الأمة، في ما لو جرفها تيار العلمانية الميتافيزيقية. غير أنه كان يعتقد، مع ذلك، أن من هذه الطبقة فقط يمكن خروج زعماء الأمة المتجددة.
قد يكون من المستهجن القول بأن آراء محمد عبده قد اعتمدت نظام فلسفة «كونت» الوضعية. فنقطة الانطلاق في تفكير «كونت» كانت الثورة الفرنسية حين قامت النخبة العقلانية بتهديم نفوذ الإكليروس، ثم كادت تهدم النظام المتمدن أيضًا. وكان هناك، كما بدا لكونت، حزبان متجابهان: حزب الذين أرادوا العودة إلى عالم ما قبل الثورة، وحزب المتشبعين بالروح الثورية. كان جوهر الروح الثورية تمجيد الرأي الشخصي،