في مقتضياته بالنسبة إلى المجتمع الحديث. كان الهدف الأول هو الأهم، لا بل قد اعتبره أهم أهداف حياته. وهو يحدد هذين الهدفين في مطلع سيرة حياته فيقول:
«الأول، تحرير الفكر من قيد التقليد، وفهم الدين على طريقة سلف الأمة قبل ظهور الخلاف، والرجوع في كسب معارفه إلى ينابيعها الأولى، واعتباره من ضمن موازين العقل البشري التي وضعها الله لترد من شططه، وتقلل من خلطه وخبطه، لتتم حكمة الله في حفظ نظام العالم الإنساني، وإنه على هذا الوجه يعد صديقًا للعلم، باعثًا على البحث في أسرار الكون، واعيًا إلى احترام الحقائق الثابتة، مطالبًا بالتعويل عليها في أدب النفس وإصلاح العمل. كل هذا أعده أمرًا واحدًا، وقد خالفت في الدعوة إليه رأي الفئتين العظيمتين اللتين يتركب منهما جسم الأمة: طلاب علوم الدين ومن على شاكلتهم، وطلاب فنون هذا العصر ومن هو في ناحيتهم.
«أما الأمر الثاني، فهو إصلاح أساليب اللغة العربية في التحرير. وهناك أمر آخر كنت من دعاته والناس جميعًا في عمى عنه وبعد عن تعقله، ولكنه هو الركن الذي تقوم عليه حياتهم الاجتماعية، وما أصابهم الوهن والضعف والذل إلا بخلو مجتمعهم منه، وذلك هو التمييز بين ما للحكومة من حق الطاعة على الشعب وما للشعب من حق العدالة على الحكومة. نعم كنت فيمن دعا الأمة المصرية إلى معرفة حقها على حاكمها، وهي هذه الأمة لم يخطر لها هذا الخاطر على بال من مدة تزيد على عشرين قرنًا. دعوناها إلى الاعتقاد بأن الحاكم وإن وجبت طاعته هو من البشر الذين يخطئون وتغلبهم شهواتهم وأنه لا يرده عن خطأه ولا يقف طغيان شهوته إلا نصح الأمة له بالقول والفعل» (٢٠).
ومع هذا، فقد كان هناك، حتى بين من عرفوه جيدًا وأحبوه، من تساءل عن مقدار اقتناعه الشخصي بحقيقة الإسلام. فاعتبره كرومر من أتباع مذهب اللاإدرية (٢١)، وسجل بلنط في يومياته