للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يفترض بأنه من متطلبات الفكر الحديث. ولعل نظرته إلى الإسلام قد تأثرت هي ذاتها، وفي أثناء النقاش، بنظرته إلى ما يفتقر إليه الفكر الحديث. فقد تابع النهج الذي عهدناه لدى الطهطاوي وخير الدين والأفغاني، في التوحيد بين بعض المفاهيم التقليدية للفكر الإسلامي وبين الأفكار السائدة في أوروبا الحديثة. وعلى هذا النهج انقلبت «المصلحة» تدريجًا إلى المنفعة، و «الشورى» إلى الديموقراطية البرلمانية، و «الإجماع» إلى الرأي العام، وأصبح الإسلام نفسه مرادفًا للتمدن والنشاط اللذين كانا قاعدتي التفكير الاجتماعي في القرن التاسع عشر. ولا شك أنه كان من السهل، بإتباع هذا النهج، تحوير، إن لم نقل إبطال، المعنى الدقيق للمفاهيم الإسلامية وتناسي ما يميز الإسلام عن غيره من الأديان، لا بل عن النظرة «الإنسانية» اللادينية. وهذا ما تنبه له، بقلق. نقاده المحافظون، إذ كان لا بد أن يرافق عملية الانتقاء والتقريب هذه شيء من التقدير الكيفي. إذ عندما نتخلى عن التفسير التقليدي للإسلام ونفتح الباب للرأي الشخصي، يصبح من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، التمييز بين ما هو موافق للإسلام وما هو مخالف له. فهل فتح محمد عبده، بدون قصد منه، الباب لإغراق العقيدة والشريعة الإسلاميتين في لجة مبتكرات العالم الحديث؟ لقد نوى إقامة جدار ضد العلمانية، فإذا به، في الحقيقة، يبني جسرًا تعبر العلمانية عليه لتحتل المواقع واحدًا بعد الآخر. وليس من المصادفة، كما سنرى، أن يستخدم معتقداته فريق من أتباعه في سبيل إقامة العلمانية الكاملة.

كان مفتاح دفاعه عن الإسلام مفهومه الخاص للدين الحقيقي، القائم على التمييز بين ما هو جوهري وغير متغير فيه، وبين ما هو غير جوهري ويمكن تغييره بلا حرج. فللإسلام الحقيقي، في نظره، جهاز عقائدي بسيط: بعض المعتقدات الخاصة بأخطر مسائل الحياة البشرية. وبعض المبادئ الخاصة بالسلوك البشري. ورأى أن العقل والوحي ضروريان معًا لاكتشاف هذه المعتقدات ولتجسيدها في حياتنا؛

<<  <   >  >>